صفعاتٌ بريئة لوعي خامل

ثقافة 2024/01/17
...

 ابتهال بليبل


أشعر أحيانا أنّ الأعمال السريالية بمختلف تجلياتها في المجالات الأدبيّة والفنيّة كافة توضح شيئا ما عن مفهوم العدالة بعنوانه العالمي الآن- والذي يمكن أن نتلمسه في حقول كثيرة- إذ يكون المنطق ملغى تماماً والصورة مركبة عشوائية، بينما يطلب منك من يمتلك زمام الخطاب أن تصدق وتؤمن بكلّ ما يطرحه على الرغم من رفض عقلك ووجدانك، وهذه هي السريالية التي تفكّك  وتعيد ترتيب دلالات ومحولات الكون المعرفية وفق فهمها هي، مع الفارق طبعا في أن السريالية تريد منا أن نفهم ما لا يفهم حتى نتعلم ونخطو نحو وعي آخر بينما العدالة العالمية تريد منا أن نخضع وندجّن ونصدق بكل شيء.

ولدت السريالية التي لا يمكن لأحد أن يشكك في مساهمة سيغموند فرويد ودوره الكبير في تشكيلها، ومن ثمّ تشكيلنا ليس فقط في تنظيم مفاهيمنا عن علم النفس، ولكن أيضاً في التاريخ والفن والأدب والثقافة 

والأساطير. 

هكذا أحبّ أن أشير لهذين الأمرين - علاقة السريالية بمفهوم العدالة العالمي وأثر فرويد في تجميع أجزاء هذه الهيكل الكبير- قبل أن أتناول أعمال كيمي شيمي "QimmyShimmy " وهي فنانة عثرت عليها صدفة وأنا أتصفّح الانترنيت بحثاً عن أعمال استفزازية أو سريالية صادمة، فمن الضروري التركيز في أن التحليل النفسي يعتمد على تشجيع الفرد في ربط جميع أفكاره ومشاعره ورغباته وأحاسيسه وذكرياته والصور التي تتبادر إلى ذهنه مهما بدت محرجة أو تافهة لغرض (إعاقة الرقابة الثانية بين اللاوعي والوعي، ومن ثمّ فضح الدفاعات اللا واعية التي تعمل من خلال الرقابة الأولى بين اللاوعي والوعي- بحسب علم النفس)، فضلا عن تحليل الكوابيس عبر تفسيرها، في محاولة للكشف عن محتواها الكامن والذي يتكون دائما، وفقا لنظرية التحليل النفسي، من تحقيق رغبة غير واعية من المحتمل ألا تعجب صاحب الكابوس، إذا لم يتم تمييزها من خلال الرمزية، ومن خلال توظيف بعض العناصر البسيطة جدا عبر الرسم، ليكون قادراً على جعلها تبدو حقيقية. 

وكثيراً ما استعمل رموزاً غامضة أو مجازية، مثل المرايا والستائر والنوافذ والأعضاء الجسدية وغير ذلك من صور.

 هناك جانب آخر مهم في العمل السريالي، وهو إنه لا يمكنه أبداً تقديم إجابات لجميع أسئلتنا حول أنفسنا، أو ما تظهره لنا أعمالها الفنية.. 

وقد ركزت كيمي شيمي من ناحية الرؤيا السريالية على سرّ الوجود وتطور الأفكار الإنسانية.

لذا من المهم أن نلاحظ هنا، أن عرض أجزاء للجسم البشري - للأطفال تحديدا- وهي مزينة بالحلوى أو بداخل علب السردين أو كأنها معكرونة أو فطائر وغير ذلك.. يدفعنا للشعور في أن وجود الأطفال هي النقطة المحورية، فرأس الطفل الظاهر وهو مغلف بورق هدايا الشكولاتة هو في وضع مهيمن، وخاضع. 

ينقل هذا النوع من الفن للمتلقي شيئا يتجاوز الواقع، إنّه النحت "السريالي".. فأثناء مراقبة العديد من أعمال هذه النحاتة، يضطر المرء إلى التفكير في السبب وراء إضافة أعضاء أجساد الأطفال وهي مبتورة ومقطعة في أواني يتم استعمالها عادة لتناول الطعام والحلوى والبوظة وغير ذلك. 

إذا قمنا بتحليل هذه الأعمال بشكل نقدي من حيث المفاهيم الفرويدية، فسيبدو الأمر مخيفا.

وبالتعمق أكثر في مرجعيات وتاريخ العالم من حولنا، نرى أن الطفولة اتسمت بأبشع صور استغلالهم والمتاجرة بهم وغير ذلك من جرائم ضدهم.

 فكانت رؤيا النحاتة لجثث الأطفال وهي مبتورة الأعضاء، مثل ذكريات وأحداث مخزونة في وعيها، نظرا لطبيعتها المثيرة للقلق والتوتر. 

تحاول شيمي أن تجعل المتلقي مدهوشا ومستغربا وعدائيا  في لحظة واحدة، فهي تخز مكامن الركود في وعيه وكأنها تحفز عضلات الفكر لترد على فعلها المتمثل في (الفن)، لكنها واثقة من أن أيّ ردة فعل ستكون في مجال الإنسانية والانجراف نحو  ضفاف راقية جديدة تجعلنا نعيد النظر في كل ما حولنا.

الفنانة التي تعتمد على الكتب التشريحية، وفي الغالب على متصفحات الإنترنت للحصول على معلوماتها في النحت، هي من سنغافورة درست في هولندا وشغفت بالحركة السريالية عبر أعمال سلفادور دالي وغيره.