بغداد: هدى العزاوي
منذ ظهور مجالس المحافظات كاستحقاق دستوري يسهم بالإدارة اللامركزية للدولة، ثم تعليق عملها وإلغائها ثم العودة إليها مجدداً، يتفق معظم العراقيين على مرافقة "سوء الإدارة والفساد والفشل" لمسيرة عمل تلك المجالس، ما أفقدها ثقة المواطن الذي كان يطمح إلى أن تلبي احتياجاته الخدمية في الحكومات المحلية وتكون سنداً له في النهوض بمدنه ومحافظاته.
ومع قرب تأدية اليمين الدستورية من قبل المرشحين الفائزين بعضوية مجالس المحافظات، سيبقى التساؤل قائماً بشأن تمكن المجالس الجديدة من إعادة جسور الثقة مع المواطن وتقديم دور ملموس على أرض الواقع، كون ذلك سيشكّل المقياس الحقيقي لمستقبل العملية السياسية برمّتها.
وقال رئيس مركز "الشرق للدراسات الستراتيجية والمعلومات"، علي مهدي الأعرجي، في حديث لـ"الصباح": إنه "لا يخفى على الجميع أن الرسم والتوصيف الدستوري لمجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم يضع صورة فيروزية عن آلية التواصل الديمقراطي بين المواطن والسلطة التنفيذية، لكن واقع الأمر مختلف جداً"، مؤكداً أن "الفجوة الذي أوجدها السياسي العراقي وحجم الفشل في بناء الدولة أسقطا كل الآمال لدى المواطن، ولم يبقَ سوى الطبقة المتحزِّبة صاحبة العقيدة والانتماء تمارس النهج الانتخابي مقارنة مع الأغلبية الصامتة المقاطِعة لأي فكر سياسي".
وأوضح، أن "ذلك لم يكن في صورة انتخابات مجالس المحافظات فقط بل هو امتداد للدورة البرلمانية السابقة وتدنّي حجم المشاركة، لذلك وبشكل بديهي، لا أعتقد في المرحلة القادمة أننا سنشهد أي ترميم أو ترقيع يمكن أن يحدث بين مجالس المحافظات والمواطن، فعلى مدار أربع سنوات أو أقل منها بقليل لم نعايش مجالس المحافظات ولم نشهد فارقاً كبيراً في وجودها من عدمه".
وأشار الأعرجي، إلى أنه يقف بشدة مع الممارسة الديمقراطية "لأنها تنتج مجلساً رقابياً يتابع سير السلطة التنفيذية في حدود المحافظة ضمن مساحة اللامركزية في إدارة الدولة، إلا أنها لم تؤتِ أُكلها، فهناك صورة انطباعية واحدة في ذهن المواطن تحمل عنوان السرقات والفشل".
واستدرك: "لكن من الممكن أن نشهد تغيراً في بعض المحافظات لاسيما في ظل التركيبة الموجودة وما فيها من تنافسية مثل (كربلاء والبصرة) حيث ستلعب المجالس دوراً رقابياً فعلياً يختلف عن بقية المحافظات التي سيكون الأمر فيها فردياً، بمعنى من يطمح إلى البرلمان المقبل أو دورة مجلس المحافظة المقبل سيكون له صوت عالٍ لمصلحة فردية وليست عامة"، وختم الأعرجي بالقول: "قد لا نرغب في نشر صورة مظلمة عن الواقع الحالي؛ لكن ما نتحدث عنه الآن صورة حقيقية لفكر المواطن العراقي الذي يحتاج إلى إعادة الثقة بمجالس المحافظات".
من جانبه، أشار المحلل في الشأن السياسي عقيل عباس، في حديث لـ"الصباح"، إلى أن "إدارة نتائج الانتخابات المركزية فيها إشكالية ولربما خطأ كبير في ظل أن المحافظات وصندوق الاقتراع يقرران بشكل حاسم ونهائي منذ البداية، لذلك أرى أن الإدارة المركزية للنتائج غير مشجعة".
وبشأن إعادة مجالس المحافظات الثقة لدى المواطنين، يرى عباس أن "مجالس المحافظات الحالية يمكن أن تكون أفضل نسبياً من مجالس المحافظات التي علّقت سابقاً، لأسباب كثيرة منها أن الطبقة السياسية الحاكمة أخذت عبرة وتعلمت شيئاً من الدرس وتحاول أن تعمل بشكل جدي، وهذا ما ظهر واضحاً في إصلاح الخدمات وإن كان بشكل غير كامل".
ورجّح عباس، أن تشهد الفترة المقبلة تحسناً في أداء مجالس المحافظات "ولكن بشكل ليس بالكبير بسبب حجم التحديدات وعدم وجود رؤى إصلاحية حقيقية"، متسائلاً في نهاية حديثه: "هل التحسُّن المتوقع سيكون كافياً لإعادة جسور الثقة بين المواطن والطبقة السياسية؟! سننتظر عسى ولعل أن نتفاجأ بسلوك مهني وحقيقي جيد في مجالس المحافظات يكسر حاجز الشكوك بإعادة الثقة".
تحرير: محمد الانصاري