الرئاسة اللبنانيَّة والتأجيل المفتوح

قضايا عربية ودولية 2024/01/25
...

علي حسن الفواز



البحث عن حسم ملفِّ الرئاسة اللبنانيَّة بات ضاغطاً وسط تصاعد العدوان الصهيوني على غزة، وعلى الجنوب اللبناني، وبما يبدو وكأنه ضغطٌ عسكري، لكنه بطعم سياسي للدفع نحو الإسراع بمعالجة هذا الملف الشائك والمؤجل.

البحث عن الرئيس يعني البحث عن القرار السياسي، وعن ضبط إيقاع جدل الخلافات العميقة بين القوى اللبنانية، لاسيما أنَّ "اللجنة الخماسية" المُكلَّفة بمتابعة الملف اللبناني تحتاج هي الأخرى إلى دافع سياسي لكي تبدأ حواراتها ولقاءاتها الجدّية مع الجهات المعنية في لبنان، وفي وضع الصراع اللبناني مع الكيان الصهيوني في سياق تسويغ المواقف المساندة للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض إلى عدوان سافر في غزة، وبانتخاب رئيس يملك القدرة على التعاطي بحساسية مع ملفات معقدة أولها ملف التهديد الصهيوني، وآخرها الملف الاقتصادي الصعب في لبنان.

تأخير عمل اللجنة الخماسية، وتأجيل لقاءات رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مع سفراء الدول المعنية يرتبطان دون شك، بمواقف تلك الدول من الأوضاع في غزة، ومن العدوان على جنوب لبنان، وهو ما يعني ضرورة البحث عن ظروف مناسبة تجعل من عمل اللجنة فاعلاً، وبعيداً عن مؤثرات المحاور في المنطقة، لأنَّ استمرار العدوان على غزة يكشف عن خطورة تحوله إلى صراع إقليمي، وإلى أزمة دولية، لاسيما بعد اشتعال جبهة الصراع في البحر الأحمر وفي سوريا، وهو ما دعا الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تشكيل "تحالف عسكري" ضد أنصار الله الحوثيين في اليمن، والذي يكشف في جوهره عن موقف غربي داعم لاستمرار العدوان الصهيوني.

إبطاء الذهاب اللبناني إلى الخيار الرئاسي يرتبط - من جانب آخر- برغبة بعض القوى السياسية بإمكانية حدوث تغيّر في معادلات الصراع السياسي في المنطقة، وعلى نحوٍ يجعل من معطياته عامل ضغط لانتخاب رئيس ينحاز إلى المحور على حساب المحور الآخر، وهو ما يجعل الجبهة الداخلية مفتوحة على صراعات من الصعب السيطرة على تداعياتها، وهو ما حدث سابقاً خلال مراحل معينة في رئاستي ميشيل سليمان وأميل لحود، والتي حفلت بمواقف سياسية متشنجة وتقاطعات فارقة بين القوى السياسية اللبنانية.

تشكيل اللجنة الخماسية بموافقة دولية كان بدافع إيجاد توافقات سياسية مقبولة بين القوى المتخاصمة، لكن تاريخ الصراع الداخلي، يجعل من هذه التوافقات مرهونة بما يحدث في الواقع الإقليمي، والدولي، وبإيجاد ديناميكية سياسية حقيقية وبعيدة عن المواصفات التي يقترحها هذا الطرف أو ذاك.