غلاف الكتاب.. فنٌّ جماليٌّ وإبهارٌ بصريٌّ

ريبورتاج 2024/01/28
...

   رحيم رزاق الجبوري

مما لا شك فيه أن لغلاف الكتاب أهمية بالغة في إظهار جانب من فحوى وباطن ومدلولات محتواه، فضلا عن إلى إبراز العنصر الجمالي والبصري الذي يعد من أهم عوامل الجذب والإبهار في تسويقه معرفيا وتجاريا. ولهذا يستغرق الكتاب وقتا طويلا في اختيار غلاف مناسب وجميل يتلاءم مع حجم وقيمة ما يحمله من مضمون معرفي أو ثقافي أو أدبي وغيره. وفي هذا المضمار دخلت فنون وأساليب حديثة تحاكي رغبات الجيل الجديد، وتستدرج القارئ لاقتناء تلك العناوين التي تحمل فنا وشكلا محببا للعين ولا تخلو من فكرة ورسالة. ولهذا تولي دور النشر اهتماما خاصا في هذه التفصيلة، وتعدها جزءا من عملية تسويق الكتاب والترويج عنه.

علامةٌ مميزة
يقول الدكتور عبد الهادي سعدون (روائي وأكاديمي عراقي): "لم يعد الغلاف مجرد صورة أولى للكتاب دون وعي بجماليته وخصوصيته، بل أصبح علامة مميزة لصيقة بفكرة ومغزى الكتاب وعملية تسويقه وإدخاله في عين القارئ قبل الانتباه لموضوع الكتاب. بل في أحيان كثيرة بقينا نتذكر ونقف عند الأغلفة قبل الشروع بمعرفة ماهية الكتاب أساسا، والأمثلة عديدة عربيا وعالميا". ويضيف: "أعتقد أن فكرة اختيار الغلاف وصناعته لم تعد من مهام الكاتب، بل أصبحت من ضمن شروط صناعة الكتاب عند دور النشر التي تتخذ منحى معينا لمنشوراتها، وضمن شروط الإخراج وجمالياته التي تناط عادة بمصمم خبير فيها". ويكمل: "إن عالمنا العربي ما زال يقع تحت سلطة المؤلف نفسه بالتدخل والاختيار، بل أحيانا بتواطؤ ومطالبة من دور النشر نفسها التي لا تريد أن تحقق معادلة (النص في جهة وجمالية إخراج الغلاف في جهة أخرى)، مما يعني تدخلا مباشرا لتحقيق رغبة المؤلف وشروطه ونظرته الفنية لكتابه. أقول هذا بحكم كوني كاتبا مررت في أكثر من ظرف لتواجدي في هذه الكفة أو تلك أو في الكفتين، وأيضا بحكم كوني ناشرا سابقا قد مررت بحالات مخاض طبيعي للكتاب أو تدخلات غريبة ومجحفة من الكتّاب. لكنها على أية حال أصبحت من سمات ومعالم الدار وأحيانا مع استشارة الكاتب في حال أن يكون له رأي، لطالما كان هو صاحب النص وعلى معرفة أكبر بمحتواه".

الشكل الأقرب
كونه مختصا بعمل وتصميم أغلفة الكتب بجميع صنوفها، طرحنا عليه عدة أسئلة تتعلق بهذا المضمار، إذ يقول فلاح العيساوي (قاص وروائي ومنسق ومصمم)، عن تفاصيل عمله: "في أغلب الأحيان تكون الأعمال موكلة لي بواسطة مدير دار النشر، لذا أقوم بجمع بعض الأفكار لتكون الخامة الأولى لشكل الغلاف، ثم أعرضها عليه للوصول إلى الفكرة أو الشكل الأقرب لعنوان الكتاب، وهناك مؤلفون يرغبون بطرح أفكارهم ورؤيتهم لشكل الغلاف ومهمتي الوصول إلى نقطة التقاء لفكرة المؤلف ورضاه".

تقاطع رغبات
وعن قراءة محتوى الكتاب، وتسقيط رغباته وفنونه في التصميم؟ أجاب: "في الواقع لا يوجد وقت كاف لقراءة الكتاب المراد عمل تصميم له، وأكتفي بالعنوان. أما عن إسقاط رغباتي في التصميم فالأولوية دوما عندي هو الجمال العام الذي يساعد في تسويق الكتاب وإقبال المتلقي عليه ورغبته في قراءة المحتوى بسبب سحر وجمال لوحة الغلاف. وتتقاطع رغبتي ومهمتي مع صاحب الكتاب؛ عندما يفرض رؤيته علي فيخرج العمل من نواحيه الفنية بالمجمل ومع فنون المصمم ورؤيته. فهناك مؤلفون يصرون على فرض شكل معين لا يوجد فيه مسحة جمالية فنية وأراه بعيدا حتى عن عنوان الكتاب ومدلولاته اللغوية ولن يحقق الغرض التسويقي. فإنني أقول هذا الكلام لصاحب الشأن دون تردد، وأعتقد أن هذه أمانة ويجب العمل بها".

نصيحة
وعن رأيه في بعض المشتغلين في هذا المجال الفني والمهم في حقول التسويق للكتاب؟ يقول: "طبعا العاملون في هذا المجال كثيرون، منهم مبتدئون ومنهم محترفون في عملهم، فالمحترف يستطيع تحقيق الجمالية والبعد الفني في الغلاف والوصول به إلى بر التسويق والمنفعة، أما بالنسبة للمبتدئين فهو العكس، لذا نصيحتي لكل مؤلف هو ضرورة التعامل مع المحترف دوما، وعلى المصمم المبتدئ تطوير ذاته من خلال دروس الفوتوشوب وبرامج التصميم".

عامل التسويق
وعن أبرز الثيمات والعناصر التي يعتمد عليها في إخراج الغلاف؟ يختم العيساوي، بالقول: "لو دخل أي شخص إلى حديقة باذخة الجمال ونظر إلى الزهور فيها، تراه سيقف أمام أجمل زهرة ويطيل النظر إليها، هكذا أنظر إلى الغلاف بالعموم، والمهم عندي هو الجمال والإبهار، وأجد أن اللوحات الفنية المرسومة هي الأفضل في عمل الأغلفة لأنها تحقق الجمالية والفنية العالية وبالتالي تحقق إبهار المتلقي وتخدم عامل التسويق. وكلمتي الأخيرة أوجهها للمؤلفين، الكتاب هو نتاج جهد كبير وفكر خلاق ورسالة وأهداف سامية وهو يستحق غلاف يحقق له أفضل تسويق وصولا إلى المتلقي لذا على المؤلف الوثوق بالمصمم".

بتلات الزهرة
من جهتها تقول فوز كاظم (روائية): "إن الكتاب رفيق العقل وغذاء الروح، ولا يمكن لذي لب الاستغناء عنه، فالكتب بساتين زاخرة بالمعارف والتشويق، ومثلما لا يمكن تخيل أي بستان دون زهور نضرة، فلا يمكن تخيل كتاب ما دون غلاف جذاب مبهج. فهو مثل بتلات الزهرة، لا تكتمل نضارة الكتاب إلا بها. ومن أجل ذلك كله، يعمد أهل الكتب إلى اختيار أبهى الأغلفة لمؤلفاتهم". وتضيف: "فالصورة التي يضعها المصمم على الغلاف، وتعكس ما فيه يجعلك تذهب بعيدا، وتفكر بعمق في الرسالة التي يريد إيصالها الكاتب إلى المتلقي وحفظ مضمونها؛ من دون كلمات وهمسات. ليأخذك إلى مشاعر وأحاسيس تدفعك بقوة للقراءة والتمتع بمتن الكتاب".

أساليب وطرق
يتطرق ظافر عبد الحسين جبوري (مصمم طباعي ورسام ديجيتال ومطور لغة برمجة في برنامج الإندزاين) إلى العديد من القضايا التي تدخل في مجال صناعة غلاف الكتاب، إذ يقول: "إن اختيار نوع الخط الذي يكتب به عنوان الكتاب وضبط حجمه على أساس طول أو قصر العنوان هو العنصر الأهم في الغلاف. وفي الغالب لا أحتاج إلى قراءة الكتاب لما كسبته من خبرة في هذا المجال ولكن إن صادفني كتاب بعنوان مبهم أو رواية أو مجموعة قصصية فألجأ عادة إلى المؤلف نفسه لمناقشته وسؤاله حول موضوع الكتاب أو الشكل الأقرب لمحتواه".

تبادل الآراء
ويضيف: "عادة لا أسمح بتدخل أحد في التفاصيل؛ إلا إذا كانت هناك رؤية مسبقة للمؤلف لشكل الغلاف يمكن عندها تبادل وجهات النظر معه والوصول إلى الشكل الأمثل. وللأسف هناك بعض المصممين لا يدركون شيئا مما يفعلون لأنهم ليسوا مختصين. فعملنا يحتاج توزيع الكتل وترابطها وترك مسافات استراحة للمشاهد من أجل تحفيزه على المتابعة والتأمل".

عوامل خبرة
ويتابع: "إن دراسة الفن وعلم التصميم والفلسفة وعلم النفس مع الخبرة وتطوير المهارات مكنتني من بلورة رؤية خاصة في التصميم. وكل عمل أنجزه يعتبر تجربة فريدة بحد ذاتها، كوني أعمل في مجال إخراج الكتب وإعدادها للطباعة أيضا؛ وفي هذا الفضاء أنا أجد نفسي فعلا لأنني صاحب مدرسة خاصة في كل شيء. ولهذا كل غلاف جديد أنجزه في وقت قياسي أعتز وأفتخر به. علما أن الغرب توجد لديهم مدارس في إخراج الكتب ولكن في الشرق للأسف هذا الأمر معدوم. لذلك تجد معظم الكتب مضرة للعين ومقرفة للبصر من حيث توزيع كتل النص وضبطها".

واجهة
وتقول إعتدال عطيوي (كاتبة وفنانة تشكيلة وباحثة في التراث من السعودية): "ليس الغلاف دائما مفتاحا كما يتخيل الجمهور. فقد يكون مجرد إيماءة أو فراغ سدت أركانه بسرعة. ويعتمد ذلك على المؤلف وما يعنيه من مفاهيم. هل يختاره بعناية تربط بينه وبين السطور أو مجرد تحصيل حاصل. ويختلف المؤلفون في الغالب بين هذا وذاك. فهناك من يترك هذه المهمة للناشر تحررا من حيرة قد تكون مضنية وهم كثر. أما أنا فأهتم جدا بالغلاف الذي يرتبط بالمضمون لأنه واجهة أولى ومدخل مهم لمحتوى كتابي".

سايكولوجية الألوان
ويذكر نور الدين محمود (مصمم جرافيك من مصر) أبرز تفاصيل مهنته في هذا المضمار، إذ يقول: "أقوم بقراءة ملخص الكتاب وأترجم فكرة التصميم من خلاله، وأتواصل مع الكاتب دائما، كما أختار ألوان الغلاف بناء على سايكولوجية الألوان وتأثيرها النفسي على الإنسان. ففي كتب المغامرات استخدم اللون الأصفر بسبب تأثيره النفسي على الإنسان في الحركة والطاقة، وفي الكتب المخصصة للإناث أستخدم اللون الوردي لتأثيره على الجنس اللطيف. وفي الروايات الحزينة يحضر اللون الرمادي لأنه يشعرك بالوحدة. وفي بعض الأحيان أعمد على أن يكون الخط سميكا لأنه يعطيك إحساسا بالقوة، وكل نوع خط له تأثير وهدف ورسالة، كذلك الأمر مع الصور واختيار الأنسب واللافت والجاذب للعين، وكل ما ذكرته هي أساليب تسويقية لغرض جذب القارئ بشتى الطرق". وعن أسعار وتكلفة إنجاز الغلاف، يجيب بالقول: "يعتمد سعر تصميم أغلفة الكتب على اسم الكاتب وشهرته وميزانيته، فلا يوجد سعر ثابت في هذا المجال. وربما أقل سعر للتصميم يتراوح بين 20 دولارا، ويصل إلى 500 دولار إذا كان من يصمم الكتاب شركة محترفة".