الكيان الصهيوني.. صبيُّ الإمبرياليَّة الأمريكيَّة المدلل
د. نادية هناوي
تصدى إدوارد سعيد للفكر الصهيوني ومخططاته ودسائسه، وأدان وبشكل مباشر الإدارة الأمريكية بوصفها الداعم الرئيس للصهيونية، ومن تأكيداته (أن الدولة الأمريكية هي في جوهرها – في ما يختص بالعالم خارجها- دولة إمبريالية لا يماثل سجلها في العنف والدمار سجل أية دولة أخرى في التاريخ البشري وتلك مسألة لا جدال فيها، إذ ما من دولة في التاريخ -حتى بين الدول الدكتاتورية الفاشية العسكرية- يضم سجلها ما يضمه سجل الولايات المتحدة الخارجي من عدد القنابل التي ألقتها على المدنيين الأبرياء، فهي تزود إسرائيل بكل دبابة وصاروخ تستخدمه الآن تقريبا ويزداد يوميا التناقض بين إعلانها النبيل بشأن دعم حقوق الإنسان ودعمها الفعلي للقمع)، (كتابه: القضية الفلسطينية والمجتمع الامريكي، ص8-10).
ولقد تركت آراء ادوارد سعيد السياسية وتحليلاته النقدية حول القضية الفلسطينية أثرا كبيرا في عدد من المفكرين الغربيين وحفّزتهم على استقصاء تاريخ الصراع العربي الصهيوني. ومن هؤلاء المفكر الفرنسي هنري لورنس الذي ألف كتابا من مجلدين بعنوان (مسألة فلسطين) وصدرت طبعته الأولى عام 1999. وجاء المجلد الأول تحت عنوان "اختراع الأرض المقدسة" من عام 1799 إلى 1914 وحمل المجلد الثاني عنوان "أصل فلسطين تحت الانتداب" من عام 1914 الى عام 1922. ومما توصل إليه هذا المفكر أن قضية فلسطين صارت في عام 1914 متاهة، انتهت إلى اكتساب دلالة تعهدت بصنعها الدول المتحالفة في الحرب العالمية الأولى ومعها وفرة من الأدبيات النصية الموجهة لترسيخ هذه الدلالة. ومن مستهل عشرينات القرن العشرين، جرى التعليق عليها من زاوية مجريات (الواقعية الجديدة) وإذا كانت تعبيرات كالعرب والسوريين والفلسطينيين ذات معنى غامض قبل 1914 فإنها بعد معاهدة لوزان 1923 صارت واضحة ومعتادة. وأكد لورنس أن مصاعب البريطانيين في فلسطين جاءت مما للفرنسيين من جاذبية عند المشارقة أكثر من الانجليز والالمان. (ينظر: مسالة فلسطين، المجلد الأول، ترجمة بشير السباعي، المركز القومي للترجمة، 2006، ص9-10).
ولم يقف تأثير أفكار ادوارد سعيد عند المفكرين الغربيين، بل شمل أيضا المؤرخين الإسرائيليين، فايلان بابيه مثلا ألف كتاب (عشر خرافات عن اسرائيل)2017، وفيه تصدى للخطاب الصهيوني وماكنته الإعلامية ومؤسسته العسكرية. وشدد على أن السلام الشامل والعادل لن يتحقق من دون حل الدولتين.
وفي كتابه (مسألة فلسطين) يعرض ادوارد سعيد حقائق تم تدليسها وتشويهها، وبها خدعت الصهيونية العالم، كاشفا عمّا يحمله الصهاينة ومعهم الغرب الاستعماري من تعصب عنصري تجاه العرب. وفي نهاية المبحث الثاني ومفتتح المبحث الثالث المعنون (مشكلة التمثيل) من الفصل الأول من الكتاب أعلاه، يقول ادوارد سعيد: (يتضمن الشريط الأسود والأحمر والأشقر والزيتوني مقطعا طويلا ومتشعبا بمناسبة زيارة ويلسون لإسرائيل، وتم عرض المقطع في شكل مذكرات، سجّل فيها انطباعاته عن إسرائيل. ومعظم تلك الانطباعات ناجم عن قراءته للأدب العبري واهتمامه باليهودية. وعلق في موضع ما على الارهاب الغربي الذي من خلاله ظهرت الدولة وكيف كان من الممكن أن يكون هناك شيء يستحق الشجب في العمل برمته.
ورأى أن الإرهاب كان نتيجة الاضطهاد النازي وسياسة البريطانيين لكنه أضاف بشكل مستنكر أن العادة الإرهابية قد ترسخت في اسرائيل ومعها عنصر التعصب الاخلاقي. وعلى الرغم من ذلك، فان ويلسون يتابع الامر بما يكفي للتصريح بأن الاسرائيليين –في علاقتهم بالعرب- اظهروا علامات معينة تدل على عودتهم الى التعصب الاعمى تجاه من استلبت ممتلكاتهم. وفي ما يتعلق بواقعة نزع الملكية، لم يبد ويلسون موقفا معينا باستثناء ما جاء في الكتاب المقدس. وهذا قد يوحي من جانبه بشيء من الحياد التاريخي تجاه ما حدث من عمليات سلب هنا وهناك في العالم. وبالرغم من ذلك، فإننا لا نستطيع إلا أن نتذكر -وهو يكتب عن الحرمان والتعصب- ما حدث في الواقع بالفعل. نحن ندرك ان ويلسون لا يتحدث عن الكتاب المقدس حين يأتي بجملة او نحو ذلك، كي يسوق الوصف الاتي (إن وضع العرب في اسرائيل خاصة كما يراه المرء في هذه البلاد هو شرس الى حد رهيب ولكنه - في ما يثيره من شفقة بإزاء أشخاص معزولين عن المجتمع الرئيس- لا يزال يقدم مشكلة متكررة. ففي مدينة كبيرة مثل عكا، تثير الشوارع المزدحمة في الاسرائيلي نفس النفور الذي تثيره عند زيارة الغربي لها. بالنسبة لليهود –الذين يأخذون العلاقات الأسرية على محمل الجد- فإنهم في إسرائيل عملوا بحذر شديد مع الأيتام من بولندا والمانيا واطفال اليمنيين الأميين حيث مشهد القنافذ والشوارع الضيق القذرة التي تشيع الرعب الاخلاقي. اما القيود المفروضة على الزواج بموجب القانون الحاخامي القديم فيعتبرها الكثيرون جامدة للغاية. في حين أن تسهيلات الطلاق بالنسبة للعرب تشجع، فضلا عما عليه عاداتهم البدوية، رب الأسرة على التخلي عن ابنائه والانتقال للعيش مع امرأة في مكان آخر. وهو أمر لا بد من الشعور بانه شر، بل أسوأ بكثير. ليس الأمر أن بعض ازدراء العرب ليس أمرا طبيعيا بالنسبة لأي شخص اعتاد العيش في الغرب كما انه ليس من قسوة بالنسبة إلى اسرائيل وما يقابلها من عناد غبي إلى حد ما من جانب اللاجئين العرب في الاردن الذين يرفضون عروض الاونروا U.N.R.W.A لإيوائهم في مناطق أخرى ويستمرون في إصرارهم على العودة الى قراهم ومزارعهم في اسرائيل. أنا منشغل هنا بإظهار العمليات التي تجري في اسرائيل ذات الميل اليهودي نحو التفرد وسأتعامل فيما بعد بعكس ذلك أي العناصر الواهبة للحياة بحسب التقليد اليهودي بوصفها تأثيرا مقيدا وفي بعض الاحيان يبدو مدمرا).. انتهى كلام ويلسون.
وفي ما يتعلق بالعرب الذين يصفهم ويلسون هنا، فإن التفرد اليهودي لا يبدو شرا كبيرا في صورته الموجزة عنهم، فهو ينظر إلى العرب بوصفهم مثيرين للاشمئزاز، وغير جذابين على الإطلاق!. ويبدو أن سبب فقرهم أقل أهمية من مظهرهم رغم أن الحقائق المتعلقة بالعرب في إسرائيل، لم يكن صعبا على ويلسون الحصول عليها.
أما بالنسبة لملاحظاته عن العربي وإحساسه بالأسرة فلا يمكن فهمها إلا كما نفهم التصريحات حول (الشرقيين) بأنهم لا يكنون اهتماما للحياة الانسانية مثل الذي نكنه نحن (الغربيين). بعبارة أخرى أن العرب لا يهتمون بأبنائهم فلا يشعرون بالحب أو الغضب تجاههم، فهم ببساطة حيوانات سريعة التكاثر. إن هذا الازدراء المؤكد والموجه للعرب، انما يمتد الى العربي الفلسطيني فهو غبي في عناده، ويجري استيعابه على أنه عدم تكيف من قبله.
في مكان آخر ستظهر عدم أمانة ويلسون بشكل مثير للجنون في استعماله لفظة (التفرد) وهو يتحدث عن المعاملة الصهيونية للعرب الذين لم يغادروا اسرائيل حتى عام 1948. خلال هذه المدة كان ويلسون في اسرائيل وكانت القوانين المطبقة على العرب هي نفسها انظمة الدفاع في حالات الطوارئ، التي وضعها البريطانيون ونفذوها في الأساس داخل فلسطين ضد اليهود
والعرب.
وكانت هذه القوانين عنصرية بشكل علني لكنها لم تطبق قط في اسرائيل ضد اليهود بعد العام 1948، وبها سيطرت اسرائيل على المكون العربي. فمنعت العرب من حق التنقل وحق شراء الاراضي وحق الاستيطان وما إلى ذلك من حقوق. وفي ظل الانتداب كان اليهود يدينون باستمرار هذه اللوائح باعتبارها استعمارية وعنصرية ولكن بمجرد أن أصبحت إسرائيل دولة تم تطبيق القوانين نفسها على العرب. وليس لدى ويلسون ما يقوله عن هذا ومرة اخرى ليس هناك عذر يذكر لهذا التغافل، وهو ما يمكن للمرء أن يتأكد منه بسهولة من خلال كتاب صبري جريس (العرب في اسرائيل) .
كان هناك قدر كبير من الكتابات الصهيونية ضد انتهاك القوانين الاستعمارية بعد العام 1948 فاستعملها الإسرائيليون لقمع العرب والتلاعب بهم. علاوة على ذلك ومما هو واضح في كتابات ويلسون، فإن هناك حقيقة ضمنية تبدو واضحة لأي شخص وخاصة الليبرالي الانساني المستنير الخبير في الحديث عن الوضع في الشرق الاوسط. هذا شيء مهم جدا أظن في القرن التاسع عشر كان المستشرقون الخبراء الباحثون يتطلعون الى معرفة الشرق لكن الوضع تغير جذريا في القرن العشرين. وفي الوقت الحالي يلجأ الغربي في الحصول على أدلته ومعرفته بالشرق والشرقيين من الصهيوني. وكل ما يراه الغرب عموما في الشرق الأوسط، إنما هو منظور إليه من وجهة نظر الصهيوني، حيث إسرائيل هي القاعدة والاسرائيليون هم الحضور وأفكارهم ومواقفهم هي أفكار ومواقف السكان المحليين!!.
لقد نسينا الأصول الاسرائيلية فإسرائيل ببساطة هي ديمقراطية غربية يهاجمها العرب المعادون للسامية بلا مبرر، وبهذا يكتمل الانقلاب في الواقع !. إن أعظم نجاح لما أشرت اليه سابقا هو الممارسة الصهيونية في نشر (الحقيقة) بكلمات أخرى فان تصريحات ويلسون بشأن العرب ليست غير دقيقة، بل هي دقيقة للغاية باعتبارها نسخة حرفية الى حد ما لما يعتقد الإسرائيليون -كمستعمرين غربيين يعيشون في منطقة متخلفة – إنه متجسد في العرب وعاداتهم البدوية وما الى ذلك، حتى أن المرء ينسى أن العلاقة بين إسرائيل والعرب ليست حقيقة من حقائق الطبيعة، بل هي -بحكم الامر الواقع- نسخة محددة ومستمرة من السلب والتهجير والفصل العنصري الاستعماري، علاوة على ذلك يميل المرء الى نسيان أن الصهاينة جاؤوا وافدين إلى فلسطين من أوروبا.
النقطة التي كنت أحاول توضيحها هي أن كتابات ويلسون يمكن اعتبارها صورة مثالية للواقع السياسي، الذي يعكسه الخطاب المشترك للديمقراطية الليبرالية الامريكية المستنيرة. إنه الاندماج المهيمن والكامل بين النظرة الغربية الليبرالية للأشياء والنظرة الصهيونية الاسرائيلية. انني استخدم كلمة (مهيمن) بالشكل الذي يعكس أصداء مفهوم انطونيو غرامشي الماركسي الايطالي العظيم، الذي حلل دور الثقافة والمثقفين في السياسة، ولتوضيح أحد معاني الهيمنة، اسنده غرامشي إلى الثقافة ليس من خلال الموافقة والاذعان التي ظهرت بحلول منتصف القرن العشرين في نماذج من مثل نيبور وويلسون، بل ايضا من خلال هذا التطابق بين الخطاب الليبرالي الغربي والخطاب الصهيوني. إن أسباب هذا التماهي معقدة، وربما لا يوجد حتى مبرر مقبول لها، ولكن بالنسبة للعربي الفلسطيني كان المعنى الملموس لعلائقية هذه الهيمنة كارثيا. ولا يوجد طريقان ازاء هذا الوضع.
إن لهذا التحديد ما بين الصهيونية والليبرالية في الغرب، يعني بقدر ما تهجير العرب وتجريدهم من ممتلكاتهم في فلسطين، فيصبح العربي بلا وجود شخصي يدل عليه، لأن الصهيوني أصبح هو نفسه الشخص الوحيد في فلسطين بسبب ما اتهمت به شخصية العربي من السلبية الشرقية، فهي منحطة ودونية في حين رأى الغرب الليبرالي في الصهيونية انتصارا للعقل والمثالية. وهذا فقط لأن هذا هو ما ترغب الليبرالية برؤيته بشكل أساس. وفي الليبرالية رأت الصهيونية نفسها كما أرادت لنفسها أن تكون. وفي كلتا الحالتين صار متوقعا من العربي إثارة المشكلات والسلبية والقيم السيئة. وهذا بالتأكيد مثالٌ فريدٌ من نوعه لهيمنة الايديولوجيا التي تطغى على حساب الاقتصاد البسيط، لأنه حتى يومنا هذا ولأسباب اقتصادية بحتة و- بالأخذ في الاعتبار الكم الهائل من المساعدات المقدمة لإسرائيل والصهيونية- تعتبر إسرائيل ( كارثة).
ومع ذلك فإن انتصارها المتهور للعقل يعطيها المبررات نحو المزيد من المساعدات، والمزيد من تأكيد التحالف. يعود تاريخ منظور ادموند ويلسون ونيبور إلى الأربعينيات والخمسينيات على التوالي. وفي العقد الذي أعقب حرب يونيو 1967 توسعت حدود اسرائيل بشكل هائل، ونتيجة لذلك تراكم عددٌ كبيرٌ من السكان يقارب المليون عربي. ولم يستطع أحد وبخاصة من الاسرائيليين أن يتهرب من مشكلة هذا الواقع الفلسطيني الجديد. ولم تعد كلمة عربي تستخدم لوصف كل من ليس يهوديا. فلقد كان هناك العرب القدامى في اسرائيل، وهناك مجموعة الضفة الغربية وغزة الجديدة، وهناك مقاتلو التحرير المسلحون -منظمة التحرير الفلسطينية في ما بعد- وهناك التجمعات المختلفة المنتشرة في لبنان والاردن وسوريا والخليج العربي منذ اكثر من عشر سنوات. فغدت اسرائيل في حالة احتلال عسكري للأراضي وللأشخاص أيضا، صحيح أن الضفة الغربية تحمل اسم يهودا والسامرة، ولكن لم يتم بعد احلالها باليهود بهذه السهولة أو في الأقل ليس بعد.
ولذلك فان العقبة الجديدة أمام الليبرالية الصهيونية هي مشكلة الاحتلال وستدرك اسرائيل أن الاحتلال العسكري يعني في واقع الأمر (العيش المشترك) وهو مفهوم ملائم بما فيه الكفاية لصحيفة نيويورك تايمز على نحو يبرر الموافقة عليه بالجملة. ففي الثاني من مايو/ ايار 1976 ادانت افتتاحية الصحيفة الدعاة العرب لارتكابهم كل أنواع الفواحش (وأهمها مهاجمة احتلال الاراضي العربية) ضد الخط الاسرائيلي الرسمي الذي يستهدف الاحتلال العسكري للضفة الغربية وغزة باعتباره هو النموذج للتعاون المستقبلي بين العرب واليهود في فلسطين القديمة. ولا يمكن الإدلاء بمثل هذا التصريح في أي سياق آخر، لقد تم اعتبار الاحتلال العسكري ممثلا لعلاقات طيبة بين الشعوب. وهو المخطط الذي يمكن بناء مستقبل مشترك عليه، تماما كما كان من المفترض ان يكون الحكم الذاتي هو ما يريده عرب اسرائيل. ولم يكن هذا كل شيء مما يجب أن نراه بل مرة اخرى هو قضية (تمثيل) وهي تكمن دائما بالقرب من قضية فلسطين.
لقد قلت سابقا إن الصهيونية تتعهد دائما بأنها تتحدث باسم فلسطين والفلسطينيين. وكان هذا يعني دائما عمليه عرقلة اذ لا يمكن معها سماع صوت الفلسطيني، ومن ثم (تمثيل نفسه) مباشرة على المسرح العالمي. وكما كان المستشرق الخبير يعتقد انه وحده القادر على التحدث (بشكل أبوي) باسم السكان الأصليين والمجتمعات المتخلفة التي درسها وأن وجوده يعني غيابهم، كذلك تحدث الصهاينة الى العالم نيابة عن الفلسطينيين.
ولم يكن هذا ممكنا في كل مكان وزمان لكن منذ الحرب العالمية الثانية تعلَّمت كل حركة تمرد أن توظفه لصالحها، ففي ظل عصر الاتصالات الجماعية واحيانا الفورية يمكن لعصابات إرهابية أن (تتحدث) بشكل مباشر ويمكن ان تمثل بشكل مباشر وجودا محجوبا، ومع مرور الوقت يتسرب هذا الحضور المكبوت وبشكل خاص مع معظم الإسرائيليين، عندما تبين في التحليل النهائي ان هذا الانكار لوجود الفلسطينيين هو الخطأ الاكبر ولكنه الاكثر حتمية، ارتكبته الصهيونية منذ بدايتها وهذا امر سأناقشه في الفصل التالي، هنا يجب أن نفصّل بعض الأمثلة الحديثة للاتحاد الصهيوني الليبرالي المهيمن من اجل استكمال سلسلة الأمثلة التي بدأتها مع نيبور وكان هذا صحيحا بشكل عام. أعتقد أن أحد المؤشرات القابلة تقريبا للقبول والشرعية السياسية داخل الولايات المتحدة هو: " من يتحدث لأجل شيء ما".
إن أحد أسباب الشرعية القوية ولكن الانتقائية للغاية لـ "جبهة التحرير الوطني" في هذا البلد (أمريكا)، هو وجود مجموعة من الشخصيات رفيعة المستوى والبارزة التي تحدثت ضد التدخل الأمريكي في فيتنام . فحين أدان كل من الدكتور سبوك جين فوندا ونعوم جومسكي والسيناتور ماكغفرن، ذاك التدخل إنما هو إدانة للشيء الذي يماثله. وكان يمكن اعتباره تأكيدا ايجابيا لصحة ما أرادوا إدانته. ولكن على العكس من ذلك وفي حالة إسرائيل، يعد التحدث بحرارة لصالح إسرائيل وبالنيابة عنها أمرا ضروريا لأي شخص في الحياة العامة أو الفكرية.