هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تنال من الاقتصاد الإسرائيلي

قضايا عربية ودولية 2024/01/28
...

 برايان بيتش
 ترجمة: أنيس الصفار

في غضون أشهر قليلة تمكن الحوثيون اليمنيون من شل نسبة مؤثرة من حركة الملاحة العالمية وباتوا يشكلون تهديداً فعلياً على اقتصاد هدفهم الذي أعلنوه، وهو إسرائيل.
فرغم إثبات إسرائيل، التي تعتمد بشكل مكثف على البحر الأبيض المتوسط أكثر من البحر الأحمر، قدرتها على التحمل يحذر الخبراء من أنَّ هجمات الحوثيين بدأت تشكل بالفعل تهديداً للاقتصاد الإسرائيلي ومن الممكن أن تصبح أقسى وطأة إذا ما تواصل هذا النهج متحدياً الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة.
فقد شهد ميناء إيلات، وهو منفذ إسرائيل إلى البحر الأحمر، انخفاضاً في حركة الشحن بلغ 85 بالمئة، وفقاً لما قاله المدير التنفيذي للميناء في حديث مع وكالة رويترز في الشهر الماضي. وفي مقابلة أخرى مع صحيفة “أورشليم بوست” قال هذا المسؤول: “قد نضطر، ونحن آسفون، إلى إعطاء العاملين في الميناء إجازة مؤقتة ما لم يتغير الوضع”.
من المؤكد والثابت الآن أنَّ إطلاق الصواريخ على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو نقطة عبور مكتظة تتحكم بأحد أهم الممرات البحرية في العالم، هو الطريقة المؤكدة المثلى لاجتذاب غضب الولايات المتحدة وحلفائها: حيث أنَّ خُمس حركة الشحن تقريباً، المتوجهة إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، يمر عادة عبر البحر الأحمر في الطريق إلى قناة السويس، وفقاً لوكالة “موديز”، وقد دفع هذا الواقع عمالقة الشحن البحري في العالم إلى إرسال سفنهم في دورة واسعة حول إفريقيا.
منذ أن بدأ الحوثيون شن ضرباتهم كانوا يؤكدون أنهم يفعلون هذا تضامناً مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي في قطاع غزة، وأنَّ هدفهم الأساسي ليس قلب أوضاع التجارة في العالم رأساً على عقب بل هو تسليط الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
في يوم الجمعة الماضي قال محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين في اليمن، متحدثاً إلى وكالة رويترز: إنَّ الهجمات في البحر الأحمر سوف تبقى تركز على حصار إسرائيل والرد على الضربات الجوية الأميركية والبريطانية. وأوضح عبد السلام أنَّ الهجمات تمثل ضغطاً على إسرائيل فقط ولا شأن لها بأي دولة أخرى في العالم، على حد تعبيره.
يمر معظم التجارة البحرية الإسرائيلية عبر حيفا وغيرها من موانئ البحر المتوسط (المعرضة هي أيضاً لتعطيل أكبر في حركة الشحن البحري بسبب أزمة البحر الأحمر)، لكن إيلات يبقى رغم هذا نقطة الدخول الرئيسية لبعض السلع والبضائع المستوردة من مناطق شرق آسيا، ومن بينها السيارات الكهربائية المستوردة من الصين التي تشكل معظم السيارات المباعة في إسرائيل. وحين لا يتمكن البائعون من بناء خزين، بسبب وصول أعداد أقل من السيارات، يمكن أن يسهم ذلك بارتفاع الأسعار، كما ورد في تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
أما بالنسبة للسفن التي تمر عبر قناة السويس في طريقها إلى موانئ إسرائيل الأكثر ازدحاماً على البحر المتوسط فقد أوقفت كثير من شركات الشحن الكبرى حركة سفنها دخولاً إلى هذا الممر أو خروجاً منه، رغم وجود التحالف العالمي الذي يحاول توفير ممر آمن للسفن، ناهيك عن الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة على الحوثيين في اليمن. حيث أعلن عملاق الشحن الدانماركي “ميرسك” هذا الشهر أنه سيحول مسار سفنه كلها جنوباً للدوران حول إفريقيا “للمستقبل المنظور” على حد تعبير الشركة.
استجابت صناعة الشحن البحري لتركيز الحوثيين على البضائع المتوجهة الى إسرائيل، حيث اعلنت شركة الشحن التايوانية العملاقة “إيفيرغرين” في الشهر الماضي أنها سوف تتوقف فوراً عن تحميل البضائع الإسرائيلية، وأضاف الإعلان مبرراً: “وذلك للحفاظ على سلامة البضائع والسفن وطواقمها.” كما فرضت شركة “ميرسك” رسوماً إضافية على الشحنات المتوجهة إلى إسرائيل لتغطية تكاليف التأمين المتصاعدة، وفي نهاية المطاف سوف يترتب على الزبائن أن يتحملوا عبء ارتفاع أسعار التأمين.
حتى التغييرات الصغيرة التي قد تطرأ على سلاسل التجهيز يمكن أن تتحول إلى تحديات كبيرة في ما يتعلق بتوفير التجهيزات الطبية في خضم ما يوصف بأنه “أعداد لا سابق لها” من إصابات الحرب، على حد تعبير “موشيه كوهين” المدير التنفيذي لمنظمة “ياد ساره”، وهي أكبر مقرض غير حكومي لتوفير التجهيزات الطبية في إسرائيل. أضاف كوهين في تصريح عبر بريده الإلكتروني أنَّ “التأخير الناجم عن ضربات الحوثيين يمكن أن يؤدي الى تهديدات للحياة في ما يتعلق بالتجهيزات التي تشتد الحاجة اليها بشكل حرج”.
يواجه الاقتصاد الإسرائيلي عقبات أكثر تعقيداً في محاولته التعامل مع تداعيات الحرب، التي أدت إلى مصرع أكثر من 25 ألف فلسطيني في غزة منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول الذي فقد فيه نحو 1200 إسرائيلي حياتهم أيضاً، كما تم استدعاء آلاف العمال والموظفين للمشاركة في القتال.
أعلن البنك الإسرائيلي هذا الشهر عن توقعاته للصادرات الاسرائيلية بالانخفاض خلال العام 2024 بمقدار واحد بالمئة عما كانت عليه التوقعات في شهر تشرين الثاني، حين بدأت وتائر هجمات الحوثيين بالتصاعد. يستثنى من هذا الرقم الماس والشركات الناشئة ولكنه يشمل قطاعات الخدمات مثل السياحة، التي تراجعت في ظل الصراع الدائر. وتفيد التوقعات بأن الواردات المدنية سوف تنخفض بمقدار 4 بالمئة خلال السنة المقبلة، وهذا يمثل انخفاضاً نسبته 5 بالمئة عن التوقعات في شهر تشرين الثاني، وفقاً للبنك
المركزي. أما التأثير الأشد وقعاً فمن المرجح أن يصيب الواردات من آسيا، فهي عادة ما تمر عبر الثغر الجنوبي للبحر الأحمر، أي الموقع الذي يركز فيه الحوثيون ضرباتهم على السفن. الصين هي أكبر مصدري البضائع الى إسرائيل، حيث شكلت الصادرات الصينية أكثر من 14 بالمئة من عموم استيرادات اسرائيل في العام 2021، وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي الذي يتابع البيانات الاقتصادية.
تداعيات الهجمات في البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي عموماً، بدلاً من التأثيرات على إسرائيل تحديداً، يمكن أن تصبح مصدر الضغط الأكبر، لأنها تسهم في إشاعة شعور لدى حلفاء اسرائيل بأن المنطقة بأكملها يمكن ان تنزلق بشكل متسارع في هاوية العنف. وطالما استمرت الحرب في غزة فإن مخاطر تدهور الأوضاع أكثر في منطقة البحر الأحمر وتطور المناوشات الإقليمية، مثل تلك التي تدور عند حدود لبنان، حد التحول الى حرب فعلية ستستمر بالتصاعد طردياً، كما يقول “دان آرينسون” مستشار المخاطر الجيوسياسية في منظمة “جي أس هيلد” الاستشارية. يختتم آرينسون حديثه قائلاً: “باعتقادي ان إدارة بايدن قد أدركت ذلك”. من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أجور الشحن البحري من الصين إلى أميركا الشمالية إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية، وفق تقرير اصدرته يوم الثلاثاء شركة “فرايتوس” للنقل والشحن.
وإذا ما لحق الضرر بالاقتصاد الأميركي جراء الهجمات الحوثية فإن ذلك قد يدفع الرئيس بايدن إلى الضغط على إسرائيل لخفض وتيرة الحرب في غزة، كما يقول آرينسون، الذي يمضي مضيفاً: “من الواضح تماماً أنَّ الصبر بدأ ينفد.” وبالفعل فإن نبرة خطاب مسؤولي إدارة بايدن، بما فيهم وزير الخارجية “أنتوني بلنكن”، قد ازدادت حدة تجاه اسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة وسط أجواء القلق بشأن تعاظم أعداد القتلى المدنيين وتصاعد التوترات
الإقليمية.

•عن صحيفة واشنطن بوست