سيامند خليل
في السنوات القليلة الماضية، غزت السيارات الصينية الأسواق العالمية. هذا الإنجاز هو دليل آخر على التطور الهائل للصناعة الصينية وقوة اقتصادها، لذا من غير الممكن لهذا البلد الذي يفعل المستحيل في المنافسة كل أنواع السلع والأسواق ألّا يسعى ليكون متفوقا على الجميع في تطوير قدراتها العسكرية.
إنها أقوى سوق، وهي أكثرها أهمية لفرض الهيمنة على العالم. وهذا سبب كافٍ لامتلاك الصين قاعدة صناعية عسكرية قوية، فهي ثاني أكبر منتج للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وقد زادت الصين إنفاقها العسكري بشكل كبير، حيث تسعى إلى تعزيز قوتها وتوسيعه نطاق نفوذها الاقتصادي والسياسي.
صعود الصين في الصناعة العسكرية له تأثيرات عديدة على النظام الدولي. أولاً، يؤدي إلى زيادة التنافس بين القوى العسكرية العظمى، مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات، حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على تفوقها العسكري. ثانيًا، يؤدي إلى زيادة تكلفة إنتاج الأسلحة، مما قد يضع ضغطًا على ميزانيات الدول، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية المتوقعة في العالم للسنوات المقبلة.
إن أهمية المواد الأولية للصناعة العسكرية، واكتفاء الدول ذاتياً بالصناعات المحلية المتطورة، أو على الأقل ضمان إمداداتها من الدول الأخرى بتكلفة مناسبة وآمنة، يعد كالعنصر الأساسي لقدرة الدول على استمرارية الحرب لفترة زمنية أطول. والحروب الحالية هي مثال حي لهذا المفهوم.
أدت الحرب الأوكرانية إلى تعطيل سلاسل التوريد وارتفاع التكاليف العسكرية الروسية، مما شكل ضغطًا كبيرًا. ورغم ذلك، استفادت الحكومة الروسية من مواردها الطبيعية وقدراتها الصناعية لإعادة هيكلة صناعة الدفاع لديها، مع التركيز على الإنتاج المحلي. كما قامت بإنشاء مجمعات صناعية دفاعية جديدة في المناطق الشرقية من البلاد، مما ساهم في خفض تكاليف الإنتاج.
لعبت هذه الإجراءات حتى الآن، دورًا مهمًا في تحقيق روسيا مكاسب عسكرية مهمة في حربها ضد أوكرانيا. لولاها لما استطاعت تعويض الخسائر التي تكبدتها في بدايات الحرب. وفي الجانب الآخر، فإن اعتماد أوكرانيا على مساعدات حلف شمال الأطلسي والغرب العسكرية جعلها في موقع ضعف من ناحية القدرة على الاستمرار في القتال، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية في أوروبا والوضع الراهن في الشرق الأوسط.
أما في فلسطين، وحتى عام 2022 كان جحم الصادرات العسكرية لإسرائيل يفوق 12 مليار دولار، والان لا يمكنها مواصلة شدة هجماتها على غزة من دون المساعدات العسكرية الأمريكية، وهذا مثال آخر للنظر بعين الاعتبار في تخمين موازين القوى العسكرية على المدى البعيد.
أعلنت وكالة غلوبال فاير باور في وقتٍ قريبٍ عن قائمة لأقوى جيوش العالم لهذا العام، حيث جاء الجيش الأمريكي على مقدمة التسلسل، تليه روسيا، ثم الصين. ولكن قدرة الدول على الاستمرارية في حروب طويلة الأمد، يمكن أن تعتبر كالنقطة الحاسمة في الصراعات القادمة. فالقوة العسكرية تمكن الدولة من الدفاع عن نفسها، بينما تمكن قوة الاستمرارية من الصمود في وجه كل التحديات.