السعوديَّة أكبر المتضررين إذا ما وسَّعت أميركا ضرباتها
• جورجيو كافييرو
• ترجمة: أنيس الصفار
في 19 كانون الأول ردّ البنتاغون بإطلاق عملية سميت "حارس الازدهار"، وهي مبادرة أمنية غربية في أغلبها تهدف إلى ردع الحوثيين عن إرباك عمليات الشحن البحري قرب باب المندب، وهو المضيق الدقيق الذي يفصل اليمن عن القرن الأفريقي. تمر عبر باب المندب نحو 30 % من حركة شحن الحاويات عالمياً وما يقارب 12 % من عموم التجارة العالمية.
إخفاق حارس الازدهار
رغم ذلك أخفقت عملية "حارس الازدهار" في ثني أنصار الله عن مواصلة هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولا تزال الجماعة تردد باستمرار أنَّ هجماتها على السفن قبالة سواحل اليمن لن تنتهي إلا بعد إيقاف إسرائيل ضرباتها على غزة وليس قبل ذلك. ولكن بدلاً من استخدام قوة الضغط الأميركية لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزة عمدت إدارة بايدن ومعها بريطانيا خلال الأسابيع الماضية إلى توجيه سلسلة من الغارات الجوية على أهداف للحوثيين في أنحاء مختلفة من اليمن، وفي الوقت نفسه واصلت تزويد إسرائيل بالقنابل وغيرها من الأسلحة لكي تستمر حملتها في غزة. وقد كان البنتاغون حريصاً على التأكيد بأنَّ الضربات الأميركية البريطانية التي وقعت خلال هذا الشهر على أهداف أنصار الله في اليمن قد شنت خارج إطار عملية "حارس الازدهار". هذه الغارات، التي كانت أول تدخل عسكري أميركي مباشر ضد الحوثيين منذ تشرين الأول 2016، جاءت تصعيداً للتوترات الإقليمية على نحو أثار قلق أوثق حلفاء واشنطن وشركائها العرب في منطقة الخليج.
قلق خليجي
فباستثناء البحرين، التي انضمت إلى أستراليا وكندا وهولندا في المشاركة بأدوار غير عملياتية في هذه الضربات الأميركية البريطانية، امتنع بقية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عن المشاركة، كما عبر معظمهم عن شدة شعوره بالقلق من هذا التصعيد الذي قامت به واشنطن ولندن. بل أنَّ بعض المسؤولين العرب في الخليج حذروا بشكل صريح دون الإقدام على مثل هذه الإجراءات العسكرية، حتى من قبل يوم 11 كانون الثاني وهو اليوم الذي حدثت فيه الموجة الأولى من الغارات. خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية الولايات المتحدة "أنتوني بلنكن" في 7 كانون الثاني عبّر وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن مخاوفه بصراحة ووضوح، إذ قال: "نحن لا نرى أبداً أنَّ الحل يتمثل بالعمل العسكري." ثم أضاف مؤكداً أنَّ حماية ممرات الشحن البحري من خلال "الوسائل الدبلوماسية" ستكون أفضل الطرق الممكنة، على حد تعبيره. بعد ذلك بتسعة أيام، عندما تحدث أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، حذّر الشيخ محمد من أنَّ الضربات العسكرية على الحوثيين سوف تخفق في احتواء عمليات أنصار الله. ومضى مستطرداً: "علينا أن نعالج القضية المركزية، وهي مشكلة غزة، لنزع الفتيل وتهدئة الأمور.. أما إذا بقينا نركز على الأعراض من دون معالجة الأسباب الحقيقية فإنَّ الحلول ستكون مؤقتة." بعد الضربات الأميركية البريطانية بفترة قصيرة عبرت الكويت هي الأخرى عن قلقها البالغ واهتمامها العميق بتطورات الأحداث في منطقة البحر الأحمر في أعقاب الهجمات التي استهدفت مواقع داخل اليمن.
أما عمان، التي كانت في أغلب الأحيان وسيطاً رئيساً وثقل توازن جيوسياسي في المنطقة، فقد أعلنت وزارة خارجيتها أنَّ مسقط "لا يسعها إلا أن تدين استخدام العمل العسكري من قبل دول صديقة"، على حد وصفها، ثم أضافت محذّرة أنَّ الضربات التي قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا ترفع خطر تدهور الأوضاع المتأزمة أصلاً في منطقة الشرق الأوسط. وردت في بيان وزارة الخارجية القطرية: "نحن نستنكر لجوء الحلفاء الغربيين إلى العمل العسكري بينما تواصل إسرائيل حربها الوحشية بلا محاسبة".
رؤية سعودية
بيد أنَّ المملكة العربية السعودية ستكون على الأرجح عضو مجلس التعاون الخليجي الأشد اهتماماً وقلقاً بشأن تصاعد التوترات في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر واليمن. ففي أواخر العام الماضي طلبت الرياض من إدارة بايدن الالتزام بضبط النفس لدى الرد على مهاجمة أنصار الله للسفن قبالة الساحل اليمني. وبعد ابتداء الضربات الأميركية البريطانية دعت وزارة الشؤون الخارجية السعودية إلى تجنب التصعيد كما نبهت إلى أنَّ الرياض ترقب الأحداث بـ"قلق بالغ"، على حد وصفها. في مقابلة صحفية أوضح "مهران كامرافا"، وهو أستاذ في جامعة جورجتاون بقطر، أنَّ التصريح المذكور يشير إلى حجم الجهود التي تبذلها السعودية للحث على خفض التصعيد، وفي الوقت نفسه ضمان مصالحها الدبلوماسية على المديين القصير والمتوسط من خلال إرسال إشارة تضمنها مدى شعورها بالقلق إلى جميع الأطراف المعنية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا." يقول عزيز الغشيان، وهو زميل في جامعة لانكستر البريطانية: "يشعر السعوديون بالقلق ولديهم سبب وجيه. فحكام السعودية يريدون تجنب التورط في دوامة الصراعات الإقليمية والدولية." من أهم ما يحرص عليه السعوديون هو الحفاظ على الهدنة القائمة بينهم وبين الحوثيين، المستمرة منذ ما يقارب العامين. كذلك فإنَّ المملكة مصممة على استمرار الانفراج السعودي الإيراني في مساره، ذلك الانفراج الذي تحقق بوساطة من قبل عمان والعراق والصين في شهر آذار الماضي. لكن صورة المشهد من زاوية نظر الرياض تفيد بأنَّ التدخل العسكري الأميركي البريطاني في اليمن يهدد بتقويض المصلحتين معاً. يقول كامرافا: "يشعر السعوديون بالقلق من أن تسفر الهجمات على السفن في البحر الأحمر، والضربات الأميركية البريطانية على اليمن، عن توثيق التقارب بين إيران والحوثيين وبذلك تنجر إيران إلى مشاركة أكثر مباشرة في عمليات الحوثيين. فمن خلال مهاجمتهما اليمن ساهمت الولايات المتحدة وبريطانيا فعلياً في تصعيد حرب غزة إلى خارج حدود فلسطين، والمملكة السعودية تبذل قصارى جهدها لدرء حدوث تصعيد أكبر قد يتمدد إلى أن يطال حدودها فتكون النتيجة إذكاء الحساسيات والتطرف السياسي بين جهات محلية."
علاقة الرياض بطهران
تدرك القيادة السعودية أنَّ المملكة كانت ستجد نفسها في وضع أشد هشاشة لو أنَّ الأزمة الإقليمية الحالية وقعت خلال الفترة 2016 - 2020 حين كانت التوترات بين الرياض وطهران على أعلى مستوياتها. لكن بفضل أجواء الانفراج الحالية بين الدولتين تشعر المملكة أنَّ إمكانية إدارة التهديد الإيراني للمملكة والتعامل معه باتا أقرب منالاً بكثير. يقول الغشيان: "تصاعد التوترات الإقليمية جراء حرب غزة وما أعقبه من تصاعد للتوترات في البحر الأحمر مثالان شاهدان على أنَّ اتفاق التطبيع بين السعودية وإيران في شهر آذار الماضي كان عظيم القيمة ستراتيجياً بالنسبة للرياض." فالقيادة السعودية في نهاية المطاف، وإذ يمسك ولي العهد ورئيس الوزراء محمد بن سلمان بمقاليد السلطة، ترغب في إعطاء الأولوية لمنظورها المسمى "رؤية 2030"- وهي أجندة المملكة السعودية الطموح لتحقيق التنويع الاقتصادي. لأنَّ من متطلبات نجاح "رؤية 2030" أن يستتب الاستقرار في أرجاء المملكة السعودية نفسها وجوارها. جرياً على هذا السياق أقدمت الحكومة السعودية على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في العام الماضي، كما اغتنمت الفرص التي أتيحت لها فتقاربت مع قطر وتركيا خلال 2021 - 2022، كما جلست للحوار مع الحوثيين من أجل التوصل إلى هدنة دائمة. تقع مدينة المستقبل السعودية "نيوم" ومشاريع أخرى تتضمنها "رؤية 2030" على امتداد الساحل السعودي المطل على البحر الأحمر، وهذا يجعل المسؤولين في الرياض يشعرون بقلق شديد حول ما يمكن أن تحدثه حرب غزة وهجمات الحوثيين المرتبطة بها على حركة الشحن في البحر الأحمر، والردود الانتقامية الأميركية البريطانية، من زعزعة للاستقرار في هذا المسطح المائي والمناطق المحيطة به. أي تصعيد جديد يقدم عليه طرف من الأطراف هو سيناريو ترغب الحكومة السعودية في تجنبه بأي ثمن.
النأي بالنفس
لضمان عدم استئناف أنصار الله هجماتهم ضد المملكة السعودية حاولت الرياض أن تنأى بنفسها عن الضربات العسكرية الأميركية البريطانية على اليمن هذا الشهر. ولكن بالنظر لمشاركة المنامة في هجمات واشنطن ولندن على أهداف للحوثيين، ولو كانت اسمية الطابع، إلى جانب تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، يمثل احتمال أن ينتقم الحوثيون باستهداف الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية المتمركز في البحرين، كخطر لا يمكن استبعاده. وبما أنَّ حماية الأمن القومي للبحرين كان دائماً أولوية قصوى بالنسبة للمملكة السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، فإنَّ مثل هذا السيناريو سينطوي على تهديدات من شأنها إلحاق أضرار جسيمة بمصالح الرياض. ينبه كامارافا إلى أنَّ استهداف المصالح الأميركية في منطقة شبه الجزيرة العربية من قبل الحوثيين، أو أي من الجماعات الصغيرة الأخرى المنضوية معهم، يمكن أن يشكل تطوراً خطيراً للغاية وحريقاً مستعراً يصعب احتواؤه، على حد تعبيره.
• عن مجلة "رسبونسبل ستيتكرافت"