السياسة وحرب العالم

قضايا عربية ودولية 2024/01/30
...

علي حسن الفواز

تتسابق الأحداث الدوليَّة لتبدو وكأنها على أبواب صراعٍ مفتوح، وعند عتبات حروبٍ من الصعب السيطرة على تداعياتها، إذ سيكونان باعثين على مزيد من العنف، وعلى دفع الدول الكبرى إلى الدخول فيهما، وتحت يافطات شتى، وتبريرات تدخل في سياق التوهّم بفرض مركزية العالم الغربي.
وجوه هذه الأحداث ليست بعيدة عمّا يحدث في غزة، وفي أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط، وفي الممرات المائية، لأنَّ استمرار الصراع فيها يكشف عن الطابع الغرائبي لتلك التداعيات، ولانعكاسها الخطير على المواقف الدولية، وعلى الاندفاع الهوسي إلى ربط مفاهيم العدالة الدولية والسلم العالمي، والديمقراطية، والتجارة الحرة، والعسكرة "المشروعة" بسياسات التأطير التي تصوغها الولايات المتحدة والدول الغربية، وعلى نحوٍ يجعل من تلك المفاهيم خالية من قيمتها القانونية والأخلاقية، وأنها لم تعد سوى تمثّلات لحمولات رمزية تتكرّس فيها أطروحات "نظرية القوة المفرطة"، ومرجعيات ثنائية هيغل حول "الهيمنة والتوابع" و"السيد والعبد" وباتجاهٍ يعمد إلى تحويل الجغرافيا إلى بيئة ساخنة، وإلى إعادة إنتاج "الحرب الرمادية" بين الشرق والغرب، فضلاً عن إعطاء "الخطاب الصهيوني" الدافع لأن يمارس المزيد من العدوانية، وتسويغ حرق الأرض لصالح تكريس البشاعة في تلك النظرية، والتغوّل في إسقاطاتها على الآخرين.
رفض الكيان الصهيوني كلَّ الدعوات الخاصة لوقف العدوان، واستخفافه بإجراءات محكمة العدل الدولية، يمثلان صورة سوداوية لتلك الحرب الملعونة، ولسلوكه العنصري الذي يعني تجاوزه على كلّ الأعراف الدولية، وعلى حقوق الشعوب السيادية في الحرية والعدل والسلم الأهلي، مثلما يعني استدعاء الغرب لكي يجعل الشرق الأوسط ساحةً حرب، وتحويل شعوبه إلى أعداء، وجعل لغة السياسة والدبلوماسية متورطة بتداول قاموس الكراهية.
تشابك الأحداث وتسارعها في "شرقنا المتوسط" بات يُنذر بحدوث أخطار شتى، لاسيما بعد الدخول المباشر في حرب الجغرافيا، وتعرّض القواعد الأميركية إلى قصف متكرر، كثيراً ما تُخفي الولايات المتحدة الكشف عن خسائره، وآخرها ما جرى بالأمس بعد قتل ثلاثة من الجنود في إحدى القواعد الأميركية في الأردن.
تحوّل الصراع وتضخمه، يعني صناعة المزيد من الأوهام التي ستجعل منها "المركزية الغربية- الأميركية" تبريراً لكثيرٍ من العنف، ولخلط الأوراق، وفتح الأبواب لتدخلات تضع الصراع الدولي أمام احتمالاتٍ لحروب كثيرة، أولها حرب المصالح وحرب الجغرافيا وآخرها حرب السلم المدني الذي سيفتح الباب على كثير من الخراب والهجرات والأراضي المحروقة.