الأونروا والعدوان الصهيوني

قضايا عربية ودولية 2024/02/11
...

علي حسن الفواز

لا تكمن خطورةُ العدوان الصهيوني على غزّة، بتوحشِ القتل والتدمير والتهجير فقط، بل بممارسة اتباعٍ ممنهج لسياسةٍ تقوم على المحو، وبما يجعل من هذا العدوان أكثر قسوة ورعباً على الفلسطينيين، إذ يعني التقصّد بمحو التاريخ والوثائق، وتعريض الأمكنة الفلسطينية إلى قصف همجي، وعلى نحوٍ يُهدّد ويشوّه الذاكرة التاريخية للشعب الفلسطيني، وباتجاهٍ يعوّق عمل كلِّ الجهات التي تعمل على صيانة تلك الذاكرة، وعلى التعاطي مع الواقع الفلسطيني من خلال برامج تقوم بها منظمات ووكالات دولية ذات توصيف إنساني، ومن أبرزها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في فلسطين «الأونروا» التي تتعرّض إلى ضغوط كبيرة، تجعل من عملها صعباً ومعقداً، وبما يُعطّل أجهزتها عن القيام بمتابعة وتنفيذ برامجها، وكذلك إيقاف عملها في المجالات التعليمية والاجتماعية والإغاثية الساندة، وهو ما يعني عدم قدرتها على تأمين فرص عمل للكثير من الفلسطينيين في مجالاتها الخدماتية والدراسية.
هذه الوكالة التي تأسست بموجب قرار الأمم المتحدة 302 لسنة 1949، لا تحمل طابعاً سياسياً ولا دبلوماسياً محدداً، بل هي مؤسسة إنسانية لها أهداف تتوزع بين الغوث الإنساني الذي برزت الحاجة إليه بعد نكبة 1948، وتنظيم عمل الفلسطينيين وتشغليهم، فضلاً عن أهدافها في تقديم خدمات ذات طابع لوجستي، يتعلق بتأمين المعلومات عن المجالات المتعددة للفلسطينيين، وبالأرقام والإحصاءات التي تخصّ الجوانب الوقائية، وبرامج الرعاية الصحية الأولية، فضلاً عن دعم فرص العمل عبر تقديم بعض القروض وغيرها، وهذا ما يُعطي لها توصيفاً يرتبط بمسؤولياتها في العمل الاجتماعي والصحي والتعليمي للفلسطينيين، وإجبارها على تعطيل العمل، وقصف بعض مؤسساتها، واستشهاد أكثر من 142 من موظفيها يدخل في سياق استمرار هذه السياسة العدوانية الممنهجة، التي تهدف إلى تدمير الواقع الفلسطيني، وإلى محو ذاكرته، وتعطيل عمل المؤسسات المعنية بالإسناد والغوث وبحفظ المعلومات والبيانات، وهو ما أكد أهدافه بعض «النواب» الأميركان عبر المطالبة بإيجاد بديل عن منظمة الأونروا، فضلاً عن تحريض بعض الدول على سحب تمويلها إلى «الأونروا» وتحت تبريرات غريبة، في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة أنَّ «إسرائيل لم تقدّم حتى الآن ملفاً يتضمن اتهاماتها للأونروا» وبهذا فإنَّ هناك عواقب كارثية ستحدث إذا ما علّقت الدول تمويلها للأونروا، وخضعت إلى الإجراءات الأميركية التي تهدف إلى تعطيل الجهد الدولي، وتحويل خدمات الوكالات إلى جزء من لعبة السيطرة والمراقبة.