عدنان حسين أحمد
تكمن أهمية الفيلم الدرامي {بانيل وآدم} للمخرجة الفرنسية السنغالية راماتا تولاي سي في ثيمته المحلية الرئيسة وموضوعاته الفرعية الأخرى، ومقاربته الفنية، وتقنياته المتطورة التي أبهرت النقاد والمتلقين على حد سواء. وقد عرض هذا الفيلم في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان {كان} السينمائي، وتمّ ترشيحه لأفضل فيلم روائي عالمي في حفل جوائز الأوسكار السادس والتسعين، كما اشترك في خمسة مهرجانات عالمية مهمة آخرها مهرجان روتردام السينمائي الدولي لسنة 2024.
تدور أحداث الفيلم ووقائعه في قرية صغيرة ونائية في شمال السنغال حيث تقع بانيل في حُب آدم ويبادلها هذا الأخير بحُب أعنف مُذكرًا إيّانا بقصص الحُب الكلاسيكية الشرقية والغربية لكن المشكلة في بانيل أنها كانت زوجة "ييرو"، شقيق آدام الذي سقط في البئر ومات فجاء زواج آدم، في جانب منه، تلبية للفرائض والواجبات الدينية والاجتماعية، رغم أنّ الاثنين كانا يمارسان اللصوصية العاطفية وهي على ذمة ييرو.
لا يجد المُشاهد صعوبة في اكتشاف الفرق بين الشخصين المحبّين، فآدم أو "آداما" شاب في سن التاسعة عشر هادئ، ومنطوٍ بعض الشيء ولا يكشف عن طويّته بسهولة، بينما تبدو بانيل عاطفية، ومتمردة ولا تجد حرجًا في خرق العادات والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها في السنغال. بل تُصر على انتهاك الأعراف الاجتماعية وتقرر مع زوجها الجديد آدم أن ينفصلا عن عائلتيهما ويعيشان مستقلين في بيت جديد طمرته عاصفة رملية شديدة عن مشارف القرية الأمر الذي يضطرهما لحفر المنزل وإزالة كميات هائلة من الرمال التي دفنته على مدار العاصفة الشديدة. ولعل الأمر الآخر الأكثر أهمية أنّهما قد اتفقا على أن يتخلى آدم عن زعامة القرية وطلب من ابن عمه جبريل أن يستمر في هذه المهمة المؤقتة، التي أُسندت إليه إلى أن يكبر آدام ويشتد عوده. وحينما يُصر آدم على رفض هذه المنصب الاجتماعي الذي يتوارثونه أبًا عن جد تنقلب حياة القرية رأسًا على عقب، وتسري الفوضى في تلك المضارب، التي لا تُعير شأنًا كبيرًا للعواطف البشرية.
تتمحور قصة الفيلم أيضا حول موضوعات عديدة من بينها الأساطير والخرافات، ومكانة المرأة، وأزمة المناخ حيث تنتصر المخرجة التي عاشت ودرست في باريس إلى الشخصيات النسائية، وخاصة بانيل التي رفضت أن تُصدّق حكاية كوندو، وهو أحد أسلاف آدم الذي كان يمتلك موهبة الحديث مع السيرانات التي تبوح له بأسرار النهر، والسيرانات "هي كائنات أسطورية لها رؤوس نسوة وأجساد طيور تُغري الصيادين" وحينما غرقت فتاة من القرية في النهر اتهموا السيرانات بإغرائها في النزول إلى الأسفل فغضبت السيرانات ومنعت القرويين من الصيد والسباحة فانزعج كوندا وشعر بالخيانة. لا تؤمن بانيل بالخرافة قطعًا، ولا تريد أن تعيش مثل الآخرين من نساء القرية ورجالها، وتبحث عن الحرية والاستقلال، ولا ترضى أن تكون خادمة في المنزل، أو مزارعة في الحقل، أو جليسة أطفال. وإذا كانت تفضّل رعي الماشية فلأنّ آدم سيكون معها منذ شروق الشمس حتى غروبها.
يختلف آدم عن أبيه وعن أخيه ييرو ويطمح في أن يكون شخصًا آخر يعيش في بيته الخاص ويربي ماشيته التي تعود إليه فقط. تؤمن والدة آدم بالقضاء والقدر ولاغرابة في أن تخاطب ابنها قائلة:"لا تستطيع أن تموت قبل أوانك، ولا أن لا تموت حينما يأتي أجلك". ثمة شخصيات مهمة في الفيلم مثل "مالك"، الطفل الذي يقرأ أفكار الآخرين ويدوّنها مثل الملاك الذي يدوّن حسنات الناس وسيئاتهم. وراسين، شقيق بانيل وتوأمها الذي منحه الله العقل والتدبير ومنح أخته القلب والعاطفة. فهي تحفظ القرآن أيضًا لكنها لا تعرف معانيه. وحينما تخبره بأنهما سوف ينتقلان إلى البيت الجديد الذي كان مدفونًا في الرمال يرفض الفكرة جملة وتفصيلا ويحيطها علمًا بأنّ هذا البيت ملعون وإذا ما انتقلا إليه فإن غضب السماء سيحلُّ عليهما وسيمتد إلى سكّان القربة برمتها.
ينقطع المطر، وتنفق الأبقار، ويجف الزرع، ويشح الماء فيضطر سكّان القربة للبحث عن مراعٍ جديدة. يخرج الرجال لتأدية صلاة الاستسقاء ولم ينزل المطر. يأخذ آدم قطيعه ويرحل بعد أن فقد نصفه ثم يعود كسيرًا مهمومًا بعد أن فقد كل شيء. يتزايد عدد الموتى ويعتقد في داخله أنّ هذه الأحداث مترابطة فيتخذ قراره الصائب ويندمج بأبناء قريته فتفخر به الأم بينما تجمع بانيل بعض حاجياتها الضرورية وتخرج في قلب العاصفة الرملية الشديدة وتذهب إلى المنزل حيث تسمع الأصوات الهامسة من جديد وهي تتذكر عندما كانوا أحرارًا، وسادة أنفسهم بينما يتقوّض عالمها الآن إلى شظايا متناثرة.
أخرجت راماتا تولاي سي فيلمها القصير Astel ، و"بانيل وآدم" هو فيلمها الروائي الطويل الأول.