مرجل الشرق

قضايا عربية ودولية 2024/02/12
...

علي حسن الفواز



وصفَ جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي الشرق الأوسط بأنه "مرجلٌ قابل للانفجار"، وأنّ العالم سيجد نفسه أمام حروب وانفجارات مفتوحة، يمكن أن يتورط فيها الكلّ ضد الكلَّ.

هذا الوصف يكشف عن مدى التعقيد الذي يرتبط بسوء إدارة السياسة في المنطقة، وباندفاع الدول الكبرى غير المسبوق وغير العقلاني إلى دعم عدوان الكيان الصهيوني على غزة، وعلى غيرها، وكأن هذا الدعم هو رهان على مستقبل الغرب ذاته، رغم أنه بات توريطا بصناعة المزيد من الحروب العبثية، والمضادة لقيم التحضّر والمدنية وحقوق الإنسان، فضلا عن أنّ هذه الحروب لا تفتح أسواقا جديدة، ولا تصنع طرقا لانتصارات موهومة، قد لا تأتي أبداً.

التفجّر الافتراضي للشرق الأوسط، ينكشف عبر علامات، ومواقف وإجراءات، تبدأ من عسكرة الممرات المائية، ومن انتهاك الحدود السيادية للدول، والسيطرة على بعض آبار النفط في سوريا، وصولا إلى الامتداد إلى جنوب البحر الأحمر، وحتى استمرار قصف مناطق محددة في العراق وسوريا، يمكن وضعه في سياق تلك الاستعدادات، لاسيما أن تصريحات الرئيس جو بايدن لها حسابات انتخابات، ومواقف داخلية، ولعل ما قاله مؤخرا حول صلاحيات شنّ الغارات وإعلان الحرب ينطلق من ذات الصلاحية التي مارسها سابقا الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، في إعلانه الحرب في أفغانستان والعراق.

كل ما يجري الآن يضع علامات استفهام حول طبيعة ما تصنعه السياسات الأميركية، وعن مدى علاقة هذه السياسات بما هو متداول حول مفهوم "الشرق الأوسط الجديد"، الذي يعني شرقا بمزاجٍ أميركي، غير مسلح، وغير عنيف، وخاضعا إلى التوجهات النيوليبرالية، وبالتالي منعه من أيّ خيار يجعل دوله حرّة في التنسيق مع قوى دولية فاعلة في المنطقة مثل روسيا والصين، والدخول معها في اتفاقيات ومعاهدات اقتصادية إقليمية أو دولية مثل بريكست أو شنغهاي..

ما قاله بوريل لا ينطلق من فراغ، وهو الدبلوماسي والسياسي الذي يدرك خطورة ما يحدث في هذا الشرق الساخن، لأن تضخم الأحداث، ودخول قوى جديدة إلى الصراع، يجعلان من السياسة الأميركية في حرجٍ كبير، وإزاء تهديد أكبر، على مستوى تعرية سياساتها المتعالية في عنصريتها ومركزيتها، وعلى مستوى التأثير في مصالحها الستراتيجية، وربما الدفع بها إلى حربٍ مفتوحة، لم تستطع هي توريط روسيا في حرب أوكرانيا، وهذا ما يجعل وزير خارجيتها بلينكن يكرر زياراته المكوكية بحثا عن خلاصٍ من هذا الخانق الذي بات يطبق على هيبة أميركا الإمبريالية.