عواصف ديمقراطية

قضايا عربية ودولية 2024/02/13
...

علي حسن الفواز

لم تعد التحولات الديمقراطية في العالم آمنة بالكامل، ولم يعد الديمقراطيون بمنأى عن صراعاتها العميقة، وعن المواجهات التي تهددها بالعنف الداخلي والخارجي، فما يجري في ذلك العالم يضع علامات استفهام حول معطيات النتائج في الانتخابات، أو في غيرها، حتى يبدو للبعض وكأن هناك "ديكتاتوريات صغيرة" تختبئ خلف تلك الديمقراطية، وتهدد ما يتمخضُ عنها، وتضع القوى المشاركة فيها أمام تحديات كبيرة، أولها عدم القبول بالنتائج، وآخرها الشك بهويات اولئك الديمقراطيين، وبطبيعة التحولات التي يمكن أن تصنعها الديمقراطية.
ما يجري في السباق نحو الرئاسة الأميركية يكشف عن أزمات عميقة، في التعاطي مع الديمقراطية، فوسط الشكوك والشتائم والتسقيط، تتحول تلك الديمقراطية إلى كوميديا سوداء، وإلى رهانات تقوم على النجاح في صناعة الحروب، وفي التحالف مع قوى دكتاتورية ومستبدة، ومنها مايحدث في التحالف مع الكيان الصهيوني. وكما يحدث في باكستان بعد الانتخابات الأخيرة، التي خاضها حزب عمران خان، مع حزب نواز شريف، فالكل يعلن الفوز، والكلّ يتهم الآخر بالتزوير، ويُهدد بالتظاهر في الشارع رفضاً لأية نتائج لاتتفق مع قناعته بالفوز، كما أن الانتخابات في السنغال تعرضت هي الأخرى إلى شكوك لاذعة في نتائجها، فخرج المعارضون للشوارع، وصار العنف، وهو ممارسة دكتاتورية، سلوكاً  في مواجهة واقعٍ ينبغي أن يكون ديمقراطياً، وهناك دول أخرى تعاني من هذه المفارقات. فرغم أن بعض دول العالم بعيدة عن الواقعية الديمقراطية، إلّا أنها تعمل على صناعةٍ أشكالٍ وصناديق لها، ونتائج لها حساباتها، فذاكرة سلطات تلك الدول تربط أيّ حق بالديمقراطية، بالنزوع إلى التمرد أو الثورة أو الانقلاب، وهو مايعني وضع الجمهور السياسي أمام مفارقات متعددة، فتلك الديمقراطية تعني صناعة الانقسام والفوضى، واستفزاز جماعات معينة للثأر من جماعات أخرى، وهو ما يضع الديمقراطية أمام مرمى القوس، وأمام أطروحات تقوم على فكرة تقديس "ولاية الأمر" وبالتالي ستكون الخيارات محدودة، أمام قوى نافذة، بدءاً من قوة العسكر والجماعة، وليس انتهاء بقوة الأيديولوجيا، التي تفرض هيمنتها على النظام  الاجتماعي والنظام السياسي والنظام الاقتصادي، وبالتالي فإن الديمقراطية ستكون شبيهة بـ"وصفة خارجية" لا تمنح الجسد الوطني حصانته، وطاقته على مقاومة الأزمات والصراعات التي يتعرّض لها..
عواصف الديمقراطية تجتاح العالم، لكنه اجتياح قاسٍ، فالبيئات السياسة مازالت مأزومة، ومركزيات العقل الغربي تفرض وصفاتها الخاصة لتلك الديمقراطيات المهاجرة، فتجعل منها قائمة على أساس فوز قوى معينة تؤدي خدماتها اللوجستية، وتفتح أبوابها، وتمنح ثرواتها للشركات التي تعبر القارات والأوطان.