عام الانتخابات الأكبر وقوس تقلبات الديمقراطيَّة

قضايا عربية ودولية 2024/02/14
...

• جواد علي كسار

واحدة من أبرز إحداثيات سنتنا الجديدة هي كثرة الانتخابات فيها. فما بين انتخابات رئاسيَّة وتشريعية مركزية ومحلية مناطقية يشهد أكثر من ثلث بلدان العالم حركة الناخبين صوب صناديق الاقتراع، لتحديد مصائر (4) مليارات إنسان هُم أكثر من نصف البشرية، يستوطنون القارات الخمس؛ في آسيا وأوروبا وأفريقيا والأميركيتين، ما يحدّد ليس فقط مآلات الاستقرار السياسي في هذه الرقعة الممتدّة من العالم، عبر التحكّم بطبيعة النظم والنخب الحاكمة؛ بل يلقي بظلاله أيضاً على معاش الإنسان واقتصاده على هذه المعمورة، خاصةً إذا عرفنا بأن حصة هذه البلدان في الثروة يصل إلى (60 %) من الناتج الإجمالي العالمي، ما يعطينا دلالات مستجدّة على طبيعة الاندماج بين السياسة والاقتصاد، والتفاعل بين الداخل والخارج.

انتخابات الجزيرة المحاصرة

من بين (76) بلداً اقترن اسمه بقائمة الانتخابات هذا العام، تمّت الانتخابات فعلاً في بعضها وهي الأقلّ، فيما لم تزل الأكثرية على قائمة الانتظار. على سبيل المثال انتهت الانتخابات في تايوان، تلتها في الأهمية انتخابات بنغلادش، ومن بعدها الانتخابات الباكستانية، وفي غضون يومين من كتابة هذه السطور الانتخابات الإندونيسية؛ وبعدها انتخابات الهند، ولكلّ بلدٍ مع هذه الانتخابات قصة.

في خلفية العودة إلى بعض هذه الانتخابات المثيرة، لابدّ من الوقوف عند انتخابات جزيرة تايوان المتنازع عليها مع الصين. فقد قيل في ترميز أهميتها بشيء غير قليل من المبالغة، إنَّ نتائج هذه الانتخابات قد تغيّر مستقبل العالم (وجهة نظر أميركية عبّرت عنها صحيفة نيوزويك في مقال نشرته متزامناً مع الانتخابات) عبر إعادة تسعير الصراع في منطقة شرق وجنوب آسيا، لاسيّما بين محور الصين وأميركا وحلفائها.

لقد جرت الانتخابات فعلاً يوم السبت 13 من شهر كانون الثاني الماضي، وجرى التنافس حاداً بين الطبيب والجرّاح والشرطي، كرمزيات ثلاث للاتجاهات الكبرى المتنافسة على حكم الجزيرة وتقرير مستقبل تايوان، وهي "الحزب الديمقراطي التقدّمي" المؤيّد لاستقلال تايوان وانفصالها رسمياً عن الصين، ومرشّحه الطبيب لاي تشينغ تين؛ والحزب القومي (الكومينتانغ) الممالئ للصين والراغب بالوحدة معها، أو الحفاظ على الوضع الحالي من دون تحريك طرفي القضية (الاستقلال أو الاتحاد مع الصين) ومرشحه الشرطي السابق هو يو يه، المشهور بالسمعة الطيبة والمشهود له بالكفاءة.

أما الحزب الثالث فهو "حزب الشعب التايواني"، وقد تأسّس عام 2019م ليضع نفسه بمنزلة الخيار الثالث للناخبين ويلجأ للتصويت إليه من يعزف عن "الحزب التقدّمي الديمقراطي" وحزب "الكومينتانغ"؛ ومرشحه الجرّاح كو وين جي.

لقد جرت الانتخابات تحت عنوانين رئيسين؛ هما المزيد من التقدّم الاقتصادي، وتصليب الهوية الوطنية التايوانية المستقلة، وتمخّضت عن فوز كبير لتيار الهوية الوطنية رغم وجوده في السلطة، ممثلاً بالرئيسة المنتهية ولايتيْها دستورياً، السيدة تساي انغ وين (دون أن تفكر بتعديل الدستور لكي يسمح لها بالاستمرار في السلطة لأكثر من دورتين!). وكذلك رغم تلكؤ الوضع الاقتصادي في عهدها، واتهامها وحزبها الديمقراطي التقدّمي؛ أنها لم تفِ بشعاراتها التي أطلقتها إبّان حملتها الانتخابية عام 2015م، بحسب دراسة وبيانات تفصيلية أُجريت عام 2023م، بتمويل من المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا. بلغة الأرقام تمخّضت الانتخابات المزدوجة الرئاسية- البرلمانية، عن المعطيات التالية التي أفرزها (18) ألف مركز اقتراعي في عموم تايوان. فقد اختار الناخبون رئيس "الحزب الديمقراطي التقدّمي" لاي تشينغ تي رئيساً لهم، بعد حيازته (40,1 %) من الأصوات، مقابل (33,5 %) حصل عليها خصمه من الحزب القومي (الكومينتانغ) هو يو إيه (66 عاماً). وكان أجمل ما فعله الخصم المهزوم، هو تهنئة الفائز ليلة فوزه ومن فور تبيّن النتائج الأولية، وهو يقول: "احترم القرار النهائي للشعب التايواني.. وأهنئ لاي تشينغ تي".

أما مرشّح الحزب الثالث كو وين جي (64 عاماً) فلم يزد نصيبه من الأصوات الرئاسية على (26,4 %). بشأن البرلمان المكوّن من (113) مقعداً، فالطريف أنَّ الحزب الحاكم (الديمقراطي التقدّمي) خسر أغلبيته البرلمانية، رغم تجديد ثقة التايوانيين به في الرئاسة (وهذه هي الديمقراطية) ما يؤكد مجدّداً أنَّ هاجس التايوانيين (23 مليوناً) اتجه أكثر صوب تصليب الهوية الوطنية، بعد أن أسقطت خيارات الناخبين التيار التابع المحسوب على الصين، لتحصد بكين بنتائج هذه الانتخابات هزيمة جديدة، وهي ترى بأمّ عينها فشل شعاراتها وسقوط تهديداتها.


التوازن القلق

كمعلومة أولية نجد أنَّ القوس السكاني الأضخم عالمياً (إذا استثنينا الصين) في شرق وجنوب شرق آسيا، يشهد انتخابات متوالية؛ في بنغلادش وباكستان وإندونيسيا والهند، بما يزيد بمجموعه على ملياري إنسان. 

نقف سريعاً عند انتخابات بنغلادش الدولة الثامنة في العالم سكانياً (170 مليون نسمة) التي تمّت فعلاً يوم الأحد 7 كانون الثاني الماضي، وسط اتهامات متبادلة بين الحزب الحاكم حزب "رابطة عوامي"، والمعارضة ولاسيّما "الحزب القومي البنغلادشي". لقد انتهت الانتخابات فعلاً بحصول الحزب الحاكم على (222) مقعداً من أصل (300) هي مجموع أعضاء البرلمان، ما يعني تأهّل زعيمة الحزب رئيسة الوزراء الحالية الشيخة حسينة واجد (76 عاماً) بولاية خامسة، لتحفظ (إرث) والدها مؤسّس بنغلادش وأول رئيس لجمهوريتها بعد انفصالها عن باكستان، الشيخ مجيب الرحمن الذي أغتيل عام 1975م، وتحافظ من ثمّ على مركزية الحزب الواحد (الحزب التأسيسي وحزب الشيخ المؤسّس) بإزاحة المعارضة وتصفية الخصوم السياسيين، كما حصل مع قيادات "الحزب القومي" وقد وصفته حسينة، بأنه: "منظمة إرهابية"، وأيضاً رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء (78 عاماً) بعد أن أُدينت بالفساد عام 2018م، وذلك كلّه ضمن معادلة حكم الحزب الواحد ومقتضياتها.

ما يهمّنا في انتخابات بنغلادش ملاحظتان داخلية وخارجية. أما الداخلية، فإنَّ هذا البلد المدقع بالفقر استطاع أن يضع نفسه على شوط التنمية ويحقّق خطوات بهذا الاتجاه، فربح التنمية وخسر الحريات بعكس غيره من البلدان، ممن خسر المسارين معاً.

أما الخارجية، فإنَّ بنغلادش تقع وسط منطقة استقطاب محوري، انحازت فيها إلى الصين وروسيا والهند، وهي البلدان الثلاثة التي سارعت بزيارة رئيسة الوزراء حسينة، وتقديم التهاني لها بفوزها، مقابل نقد واشنطن وبعض العواصم الأوروبية معها الأمم المتحدة، وقد ركّز النقد على حالة حقوق الإنسان والضغوطات المتزايدة ضدّ المعارضة، وتقلص شعبية الحكم، كما شهدت على ذلك فعلاً الانتخابات الأخيرة التي لم تصل نسبة المشاركة فيها إلى (40 %) رغم تبنّي السلطة لها، ما يعطينا دروساً مفيدة لتجربتنا في العراق.


تحت قبضة العسكر

قد نظن أننا وحدنا في العالم العربي ابتُلينا بحكم العسكر وعسكرة الفضاء السياسي والاجتماعي والثقافي، والعمراني والذوقي وجماليات الفنون والآداب والحياة وكلّ شيء، واختزال السياستين الداخلية والخارجية بالبُعد المؤامراتي والأمني، حين خضعت حياتنا برمتها إلى عقلية ضباط و"متعسكرين" أغلبهم سطحي وجاهل، تستهويه الثوريات الشعارية، وتستوطنه لغة ازدراء الداخل واستفزاز الخارج، وسط عنتريات لم نحصد من ورائها سوى دمار الإنسان وخراب البلدان، وخيبة لا تُمحى آثارها إلا بجهود شاقة، ولمن يريد الدليل ليبحث عنه في تجارب العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من حماقات حكم العسكر وطيشهم.

لكنَّ الحقيقة أنَّ ظاهرة "العسكرتارية" لم تكن حكراً علينا وحدنا، فقد امتدّت هذه الحالة إلى ما تطلق عليه أدبيات البحث السياسي العربي، بـ"دول الحزام" القريبة والبعيدة، مثل إيران وتركيا وباكستان وبنغلادش وإندونيسيا، ونجت منها ماليزيا بأعجوبة.

لكلّ واحد من هذه البلدان قصة مع العسكرة وحكم العسكر. باختصار شديد، انفلتت إيران مثلاً من قبضة العسكر بانتصار الثورة الإسلامية، لكن ما لبثت أن استعادتها بكثافة وقوّة، وقد بلغت ذروتها الآن بعد عملية تدوير تحوّلت فيها القبضة من الجيش النظامي إلى الحرس الثوري. بيدَ أنَّ مآلات التجربة في تركيا كانت أفضل، بعد أن أستطاع مؤسّس الجمهورية الثانية (جمهورية ما بعد أتاتورك، هذا إذا اعتبرنا أنَّ عهود عدنان مندريس وتوغورت اوزال ونجم الدين أوربكان محض إرهاصات على طريق الجمهورية الثانية) رجب طيب أوردغان أن يُهندس الحياة السياسية ويعيد صياغاتها بعيداً عن قبضة العسكر.

وهو ما حصل بصبر وأناة وأسلوب تدريجي تحوّل إلى الجذرية الشاملة بعد انقلاب 15 تموز عام 2016م الفاشل، وما تلاه من تعديلات دستورية وفي بنية النظام السياسي أدّت من بين ما أدّت إليه، إلى تقليم أظافر العسكر، ونزع وصايتهم على السياسة والنظام والسياسيين، وتقليص حجمهم وإعادتهم إلى ثكناتهم، وحصر مهمتهم التقليدية في الدفاع عن جغرافية البلد وحدوده الخارجية.

على أنَّ من المهمّ أن ننتبه إلى أنَّ نجاح أوردغان في القضاء على مرجعية العسكر ووصايتهم على النظام السياسي ومؤسّسات الدولة، لم يتمّ بالأطاريح النظرية والمفاهيم، فضلاً عن الشعارات ولغة الوعظ والإرشاد والأمنيات، بل عبر عمل دؤوب تصدّره منجزه الاقتصادي والتحديثي والعمراني الضخم لتركيا، ما يعني استناد هذا الأنموذج إلى أسلوب الإزاحة العملية للعسكر، وتقليص نفوذهم حياتياً وإثارة حساسية الشعب ضدّ مرجعيتهم ووصايتهم، عبر جرّه إلى الميدان، وإغرائه بالمنجزات وليس إغراقه بالكلام والشعارات والثرثرات، فالثرثرة والتواني والكسل لا تصنع التغيير، كما لا يصنعه أيضاً محض الجلسات والتنظير.

بعد هذه المقدّمة المكثّفة إلى حدّ الاختزال نصل إلى باكستان. فباكستان (الأرض الطاهرة) أو جمهورية باكستان الإسلامية بحسب التسمية الرسمية، نشأت عام 1947م وهي محكومة بالخوف مثقلة بفزع الأقلية وحساسياتها، فكانت العسكرة وهيمنة العسكر ومرجعيتهم ووصايتهم على النظام السياسي تأميناً لدوامة؛ هي صمام الأمان.

لكن يبدو أنَّ النخبة العسكرية استمرأت هذا الدور كما في كلّ البلدان، وراحت تمارسه حدوثاً وبقاءً حتى الآن. ففي الانتخابات الباكستانية الأخيرة التي جرت الخميس الماضي (8 شباط) استغلت قيادة الجيش ومؤسّساته وقوع تفجير إرهابي مما هو مألوف وقوعه ونسمع أخباره طوال العام، لتجعل من ذلك ذريعة لتعطيل شبكة المعلومات (النت) معها أجهزة الهاتف النقال، وأشباه ذلك من وسائل التواصل. كما مهّدت قبضة العسكر لحلّ وسط مع رئيس الوزراء السابق الموجود خلف القضبان عمران خان، حين منعت حزبه "انصاف" من المشاركة المباشرة باسمه، لكن فتحت له نوافذ وأبواباً خلفية لتنفيس شعبيته عبر المرشحين المستقلين.

هكذا دخلت معركة البرلمان (266 مقعداً) القوى السياسية الثلاث الأكبر، وهي حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية" (جناح رئيس الوزراء السابق نواز شريف) وقد حصل على (75) مقعداً؛ وحزب "الشعب" الذي يقوده بيلاوال بوتو زرداري (نجل السيدة المقتولة بي نظير بوتو، وهي بدورها كريمة السيد ذو الفقار علي بوتو الذي حكم عليه العسكر بالإعدام) بالإضافة إلى حزب "حركة الانصاف" المحظور الذي يقوده من وراء القضبان عمران خان، إذ حصل على (101) مقعد، ما دفعه إلى إطلاق سلسلة من الاحتجاجات الشعبية رغم تصدره المشهد، لأنه يعتقد أنَّ مقاعده تفوق ذلك بكثير، وقد تصل إلى (169) مقعداً، وهو العدد المطلوب لتأليف الحكومة بانفراد، دون الحاجة إلى بناء التحالفات مع الغير.

ليس جديداً أن نقول إنَّ العسكر هم المتحكمون بالعمل السياسي ومؤسّسات الدولة البالغ عدد سكانها نحو ربع مليار إنسان، فهذه بديهة صاحبت باكستان منذ تأسيسها ولم تزل. إنما المهمّ هو مرونة العسكر في التعامل مع الملف الانتخابي والسياسي من ورائه، كما كشف عن ذلك البيان الهادئ لقائد الجيش عاصم منير، عندما دعا القادة السياسيين للتخلي عن مصالحهم الشخصية، وتوحيد جهودهم لتأليف حكومة وحدة وطنية (تصريح يوم السبت 10 شباط).

ففيما كانت المؤشرات السياسية تؤكد رغبة الجيش بعودة نواز شريف وحزبه إلى قمة السلطة، ولو بالتحالف مع حزب بوتو، تبدّلت قناعة قياداته بعد الاندفاع الشعبي الكاسح لأنصار عمران خان، إلى مطلب الحكومة الائتلافية. وهذا التبدّل لا يعبّر عن مرونة سياسية، العسكر هم أبعد ما يكونون عنها، بل عن قراءة للمصلحة العليا إذ تعيش باكستان الآن تحت خطرين أساسيين؛ اقتصادي وأمني في الداخل، وسياسي أمني في الخارج.


الارخبيل الإندونيسي

ربما ستجري الانتخابات الإندونيسية المزدوجة (رئاسية وبرلمانية ومناطقية) قبل أن يصل المقال إلى يد القرّاء، لكن ما يهمّنا هو القصة وليس الحدث. فهذا البلد الذي يُعدّ الرابع عالمياً في تعداد سكانه (نحو 300 مليون إنسان) والأكبر من حيث عدد المسلمين، رزح تحت حكم العسكر وذاق مرارات العسكرة، عنفاً وقسوّةً وشمولية وتخلفاً.

فعلى مدار أكثر من نصف قرن تقاسم السلطة العليا فيه جنرالان؛ هما الجنرال المؤسّس أحمد سوكارنو (1901 - 1970م)، والجنرال الثاني محمد سوهارتو (1921 - 2008م) وقد أسقط رئيسه سوكارنو عام 1968م، ولم يتزحزح عن قمة السلطة إلا بانتفاضة شعبية أنهت حكمه عام 1998م.

بعد حكم العسكر وتجرّع مرارته انطلقت بذور الحياة السياسية المدنية في هذا البلد ونمت سريعاً، عبر أربعة تعديلات دستورية على الأقل، وفتح المجال للتعدّدية الحزبية، والانتخابات المباشرة للرئيس لدورتين أمد كلّ واحدة منها (5) سنوات، بالإضافة إلى الانتخابات البرلمانية والمناطقية والبلدية. بيدَ أنَّ الأهمّ من ذلك هو تجربة التنمية الاقتصادية الناجحة، التي وهبت الحياة السياسية الجديدة معناها، وجعلت المواطن يتذوّق طعم الحريات والحياة السياسية التعدّدية، من خلال التقدّم الاقتصادي والاستقرار المعيشي والرفاه اليومي.

تحفّ التجربة الإندونيسية الصاعدة الآن الكثير من الدروس والعبر لبلدٍ كبلدنا العراق. بلغة موجزة أصبحت إندونيسيا واحداً من أكبر (20) اقتصاداً في العالم، وهي عضو في مجموعة العشرين. وقد فاق ناتجها الإجمالي الألف مليار دولار، لتغدو أكبر اقتصاد في آسيا فاق سنغافورة وماليزيا وغيرها من نمور آسيا، إذ يفوق ناتجها الإجمالي تركيا بمرة ونصف تقريباً، وإيران بثلاثة أضعاف، وماليزيا بمثلها وهكذا.

درس السياسة عبر الانتخابات المباشرة لا يقلّ ألقاً عن تجربة الاقتصاد في هذا البلد، إذ سيتجه (205) ملايين ناخب على امتداد الأرخبيل الإندونيسي الشاسع المكوّن من أكثر من (17) ألف جزيرة، والذي يبلغ الفارق الزمني فيه بين شرق إندونيسيا وغربها ساعتين؛ ستتجه هذه الملايين وكلّ واحد منها يحمل (5) بطاقات مختلفة يضعها في (5) صناديق اقتراع للرئيس ونائبه، والبرلمان المركزي، وبرلمان الإقليم، وبرلمان المحافظة، والبطاقة الأخيرة لمجلس الشيوخ، لتُعلن النتائج الأولية في آخر ليل يوم الانتخابات؛ يوم الرابع عشر من شباط الحالي.

ربما هذا التركيب هو ما يفسّر الكلفة العالية جداً لهذه الانتخابات، وقد قُدّرت بنحو (4,7) مليارات دولار، لكنها كلفة زهيدة لبلد تحوّل سريعاً من العسكرة والتخلف، إلى النمو والانفتاح، وهو يتجه إلى أن يكون القوى الاقتصادية العظمى في المنطقة.