العدوان وسرديات السياسة

قضايا عربية ودولية 2024/02/18
...

علي حسن الفواز



يواصل  الكياني الصهيوني عدوانه على غزة، تحت يافطة تحقيق أهداف تهدف إلى السيطرة على الأرض، برغم نفيه الإعلامي، لأن هذه السيطرة  تدفعه إلى فرض شروطه السياسية والأمنية، وإلى جعل الرأي العام العالمي أمام الواقعية البشعة لهذه السيطرة، وأحسب أن ما يجري من حصار بشع على رفح، وعلى "مجمع ناصر الطبي" في غزة يفضح نوايا العدوان، ويُعرّي المواقف الدولية الخجولة، ورهاناتها القلقة على سرديات الحلول السياسية التي قد تحمل معها أغراضا أكثر غموضا، تتجاوز الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، إلى فرض خيار للتغيير الديموغرافي، عبر الدفع باتجاه سياسة التهجير، وإيجاد "كانتونات" في مناطق أخرى.

الحديث عن الحل السياسي، لا يعني – واقعيا - سوى الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه الكيان الصهيوني بشدة، ويدفعه إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، أو  إرجاء هذا الحل إلى ما بعد تحقيق أهدافه العدوانية، والعمل على فرض واقع جيوسياسي في المنطقة، وهو ما كشف عنه الرئيس الأميركي جو بايدن بعد اتصاله برئيس وزراء الكيان الصهيوني بـ" عدم الرضوخ لإقامة دولة فلسطينية"، كاشفا بذلك عن التواطؤ الأميركي، إذ يمكن للولايات المتحدة أن تجعل من ضغطها السياسي أكثر واقعية، وفاعلية، لمواجهة الاستهتار الصهيوني وغطرسته، فرغم كل التصريحات التي يُطلقها هذا المسؤول الدولي أو ذاك حول إيقاف العدوان، فإن ما يجري في الواقع يفضح تلك التصريحات، ويكشف عن حجم الكوارث الكبرى التي تهدد المنطقة، والترويج لخارطة "شرق أوسطية" جديدة، يكون فيها الكيان الصهيوني هو "قطب الرحى" أو "العصا الغليظة" التي تتحكم بالسياسة والاقتصاد والأمن.

اتساع دائرة العدوان يعمد إلى خلط الأوراق، وإلى تحويل الحل السياسي إلى "خيار بارد" إزاء واقع ساخن، وصراعات تتضخم أهدافها، وسط احتضان أميركي فاضح لسياسات العدوان، ولكلّ الإجراءات العسكرية التي يمارسها على الأرض، وفي سياق الضغط السياسي على عدد من "الدول العربية" للقبول بمقاربة سياسية لا تتلمّس الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني، ولا للحقائق التاريخية في المنطقة، ولعلاقات دولها في جغرافيا اقتصادية وسياسية إقليمية، وهذا ما يعني الارتباط  بين تكثيف العدوان على الأرض، وبين السرديات السياسية التي يمكن أن تؤسس معطياتها على وفق ما يحدث في الميدان، وفي ما يجري في الجبهات المفتوحة من صنعاء إلى بيروت ودمشق وغزة.