اجترار النّص وإعادة تدوير التّراث الشّعبي والعالمي

ثقافة 2024/02/20
...

  رندة حلوم 


يختلف المسرح عن نوعي أدب الطّفل الآخرين (القصّة والشّعر)، ففي النوعين الأولين وصول  العمل الإبداعي إلى الطّفل يعتمد على الكاتب وحده بمشاركة رسام أحياناً، أمّا في المسرح هناك الكاتب والمخرج والمصمم والممثلون، فالعمل المسرحيّ جماعي يقدم للطّفل عبر وسطاء، ولا ينجزه الكاتب وحده، وإذا طرحنا سؤالاً عن أي انواع الأدب هو الأقدر في إحداث أثر لدى الطفل، سيكون الجواب هو المسرح.لكن الرسالة الملقاة على عاتق مسرح الطّفل تظل هي نفس الرّسالة المطلوبة من الشّعر والقصّة، فهي رسالة تربويّة، وأخلاقيّة، وتثقيفيٌة ممتعة، فالتوجه بالتوجيه إلى عقل وحواس الطفل رسالة سامية على عاتق المسرح يصلها من خلال الاعتماد على  تسلسل السّرد الحكائي المشوّق والبسيط، وعرض  الفكرة  بطريقة غير مباشرة، فالمباشرة من عيوب المسرح تخرجه عن دوره في إثارة ملكة المتعة والاكتشاف لدى الصّغار.

تتوزع مقوّمات العمل الإبداعي في المسرح الموجّه إلى الطّفل إلى مقومات على صعيد الشّكل الفني، وأخرى على صعيد المحتوى، أمّا على  صعيد الشّكل الفني، فينبغي أن تتوفر في العمل عناصر الجذب والمتعة، والفائدة، ويعتبر الدّيكور، والإضاءة، والأزياء، والحركة على الخشبة  من أهم عناصر الجذب لعين الطّفل، وإلاّ سيكون العرض باهتاً، وتأتي الموسيقا لتساند الدّيكور والإضاءة وتعزز تفاعل حواس الطّفل مجتمعة مع مقومات العرض، فالمتلقي هنا، فئة  تحتاج إلى حالة من الثّراء في الأدوات، كي تستقبل تلك المشهديّة المسرحيّة، وتعيد تدويرها في وعيها وإدراكها على حسب كمية المؤثرات المعطاة لها بشكل عفوي وتلقائي وانتقائي، فالطفل لن يستقبل العرض المسرحي الفقير بالغنى الضّوئي واللّوني والصّوتي، لأنّ حواس الطّفل تتلقى العمل المسرحي قبل عقله، وهذا ما جعل من الشّكل الفني الإبداعي، عتبة أولى للدخول إلى قلب الطّفل وعقله معاً -وهي رسالة المسرح- أمّا على صعيد المضمون في قول للكاتب المسرحي جوان جان: «الطّفل يحبّ العرض المعتمد على الحكاية المعتمدة على التّسلسل التّقليدي للأحداث من بداية ووسط ونهاية، وينفر من محاولات التّجريب على هيكلية العرض المسرحي، وأهمّ شيء على صعيد المضمون أن يقدّم العمل طرحاً تنويريّاً بعيداً عن المقولات ذات الطّابع الغيبيّ التي تسهم في تخريب عقول الأطفال».

مع تناغم الشّكل والمضمون، يبقى نجاح العمل المسرحي مرهون بتكامله وقدرته على الوصول، وإقامة هذه الجسور الحسيّة والمعنوية مع المتلقي المتلهف للإثارة والتّفاعل مع هذا العمل وأدواته.

شهد مسرح الطّفل في الوطن العربي تجارباً عربية ناجحة  في هذا الإطار، كإقامة المهرجانات المسرحيّة الطّفلية على المستوى العربي مثل مهرجان مسرح الطّفل في العراق، ومسرح الحسيني الصّغير أيضاً.

توجد إشكاليات عدة تواجه المسرح، أهمها (إشكالية الكاتب والنّص) وتظهر من خلال اجترار النّص المسرحي، وإعادة تدوير التّراث الشّعبي والتراث العالمي من قصص وأفلام عالمية، وهنا يفقد العمل المسرحي عنصر المحاولة الجادة ويكتفي بالاستناد على أعمال ناجحة سابقاً في السينما أو الدّراما أو الحكاية الشّعبية، أمّا الإشكاليات الأخرى فهي إنتاجية وتسويقية والبعد عن التخصص. والمطلوب من مسرح الطّفل اليوم رغم تلك الإشكاليات، هو أن يقدّم رسالة سامية تحافظ على عنصر النقاء والبراءة لدى الأطفال، وأن يعزز الجانب الإنساني والحضاري والأخلاقي عندهم، كل هذا بقالب فكري تثقيفي فني ممتع ومدهش.