المنظمات الدولية وفقدان الثقة

قضايا عربية ودولية 2024/02/20
...

علي حسن الفواز



تتغيّر صورة “المجتمع الدولي” بشكلٍ غريب ومؤلم، جرّاء فقدان الثقة بالقوى الكبرى التي تتحمّل مسؤولية هذا المجتمع، وبالمنظمات الدولية المسؤولة عن إقرار السياسات والقوانين التي ينبغي أن تتبناها وتعتمدها كستراتيجيات في حماية الدول والشعوب من مكاره الهيمنات والحروب والأزمات.

منظمات كبرى بمستوى مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمات اليونسيف والصحة العالمية، فقدت صورها اللامعة، فبدت أقلّ قدرة على مواجهة مشاريع القوى الكبرى، وهي تمارس سياسات الضغط عليها، عبر التمويل المالي والبرامجي، أو عبر تحجيم إمكاناتها اللوجستية في تنفيذ برامجها الإنسانية، ولعل ما يحدث في غزة أو في مناطق متوترة أخرى، يكشف عن هذه “العطالة الدولية”، فمجلس الأمن عاجزٌ عن إصدار أيّ قرار يدعو إلى إيقاف إطلاق النار في غزة، لأنّ الفيتو الأميركي جاهز للنقض، كما أن أزمات أخرى في أوكرانيا أو في ليبيا أو في السودان واليمن وغيرها تنتظر “عطفا” دوليا، أو ربما توافقا دوليا، لكي يتم طرح الحلول المقترحة من دون التعرّض إلى سلطة الفيتو المتوحشة.

فقدان الثقة يُعيد إلى الأذهان كل مظاهر العنف في التاريخ، فبقطع النظر عن كون هذا العنف رمزيا أو ماديا، إلّا أن إكراهاته تتبدى من خلال رعب الآثار التدميرية التي تتعرّض لها الشعوب، على مستوى ما يُصيب السلم المدني والتنمية من أضرار بنيوية عميقة، أو على مستوى استمرار تعرّضها للعدوان الخارجي، أو على مستوى ما يتسبب به ذلك من انقسامات داخلية خطيرة كما في ليبيا واليمن والصومال. كلّ هذا يحدث و”المنظمات الدولية الكبرى” تتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تدخل في صلب مسؤولياتها التي أوكلها لها العالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية. 

كما أن توسّع سياسات التحكّم والسيطرة، يعني ازدياد مآسي الشعوب، وحرمانها من كثيرٍ من انسانيتها وحقوقها، ومن مصالحها القومية، إذ تفرض تلك السياسات مزيدا من “القوة الغاشمة” عبر العنف والعزل والتجويع والفقر والقهر الاقتصادي والتهويل الأمني، ودعم وإسناد جماعات معينة على حساب جماعات أخرى، بما يتسبب في كوارث عميقة تُفضي إلى التشظي الوطني، فضلا عن اندفاعها الضاغط نحو وضع برامج الأمم المتحدة ومنظماتها تحت سلطتها، بما يُفقدها القدرة على تقديم خدماتها للمجتمعات التي تعاني من الحروب والأزمات والمجاعات، كما يحدث اليوم في غزة جرّاء العدوان الصهيوني المستمر عليها.