يشكل الإصغاء أهمية كبيرة في تحسين العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، ويسهم في إيجاد حلول للمشاكل النفسية التي يتعرض لها الإنسان، و ويعد سبيلاً لفتح أبواب الحوار وعاملاً في نجاحه، لكننا نعاني في مجتمعاتنا العربية من مشكلة عدم القدرة على الاستماع والإصغاء للآخر، ولم نع بعد أهمية تلك المقولة بأنك “لتكون متحدثاً جيداً، يجب أن تكون مستمعاً
جيداً”.
تلعب عوامل عديدة دوراً في صعوبة الإصغاء والتواصل مع المحيط الاجتماعي، تأتي في مقدمتها التربية التي نتلقاها في الأسرة، للأهل دور أساسي في تعليم الأبناء فن الإصغاء، وغرس هذه الثقافة وتربيتهم عليها في حياتهم وتعاملهم، من خلال الممارسة فيما بينهم وليس بالكلام والوعظ فقط، فعندما يستمع الأهل إلى أبنائهم في كل الأمور المتعلقة بحياتهم والسماح لهم بالتعبير عمّا يريدونه، فإنهم بذلك يساعدونهم على تحسين قدرتهم على التواصل مع الآخرين بالشكل
السليم.
بالمقابل إذا قامت تلك العلاقة في الأٍسرة على أسلوب من التربية يعتمد على سلطة الأمر والنهي وإطاعة الأوامر فقط، دون السماح للأولاد بالحديث في حضرة الأهل، سوف ينشأ إنسان غير قابل للنقاش، متشبث برأيه
، رافض لآراء الآخرين، لذلك يجب أن يخصص الأهل وقتاً ولو قصيراً للاستماع لأبنائهم ومعرفة أحوالهم ومشاكلهم، والوقوف على طلباتهم ومكنونات نفوسهم، لأن هذا الأسلوب في التربية سيخلق جيلاً مختلفاً قابلاً للحوار والتواصل والتفاعل بالشكل
الصحيح.
ثمة أمور أخرى تحول وتعرقل مقدرتنا على ممارسة فن الإصغاء، منها الاستعجال وعدم التحلي بالصبر اللازم للإصغاء للمتحدث، وذلك إما بسبب مشاغل الحياة المتراكمة، أو لعدم اهتمامنا بالموضوع المطروح للنقاش، أو ان الشخص الذي أمامنا لا يستحق الوقت الذي نكرسه له
، فضلاً عن الإرهاق الجسدي والنفسي الذي يحول دون قدرتنا على التركيز مع المتحدث
، ولعل الأهم وربما الأخطر في عدم قدرتنا على الاستماع، هو الأحكام المسبقة التي نحملها تجاه الآخر قبل الدخول معه في نقاش وحوار، والتي تولد رفضاً ونفوراً وتؤدي الى إغلاق كل وسائل الاستماع وكأن الشخص الذي أمامنا غير موجود، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تأطير العلاقات الاجتماعية في أضيق المجالات ما يتسبب في تدهورها مع الوقت، ويتحول كل فرد للعيش في بوتقته المستقلة بعيداً عن
المحيط.
لنتعلم هذا الفن يجب أن نتعلم الصمت، وأن نكون مستعدين للاستماع للآخر، لأن ذلك سيمكننا من استيعاب كل ما يقوله والوصول إلى الغاية التي يرمي إليها، ويساعدنا على رؤية الأمور من منظار آخر، لكن الصمت الذي نشير إليه ليس ذلك الصمت أو السكوت الذي علمونا أنه من ذهب، بل لابدّ من الإيحاء للآخر أننا حاضرون معه جسدياً
وذهنياً.
الإصغاء يساعدنا على تجاوز الكثير من الإشكالات، وحل كثير من المشاكل التي تعبر حياتنا، وحين نتمكن من الاصغاء للآخر يعني أننا نتمكن من الاستماع لأنفسنا وذواتنا، وأن نتفكر ونقنع أننا لسنا الوحيدين على أرض هذا
الكوكب.