الحقيقة في مكانٍ آخر

منصة 2024/02/26
...

 عفاف مطر

لماذا أصبحت السفسطائيَّة تهمة؟ لا يخفى على أحد أن أفلاطون كان شديد القسوة على السفسطائيين، وكل ما قاله عنهم التصق بهم، حتى أصبحت آراؤه فيهم وكأنّها سُبة في حقهم ويستخدمها الكثير الى يومنا هذا ضدهم، حتى كلمة سفسطائي في حد ذاتها تستخدم كسُبة في حق شخص ما. 

الانتقاد كان لبّه في أنّه لا ينبغي تعليم الجدال أو أن الجدال ليس من الصحيح تعليمه للتلاميذ، لكن الحقيقة أن أرسطو نفسه في محاوراته كان يعترف بفضل أستاذه السفسطائي الفيلسوف جورجياس، وقال أرسطو أنه من الضروري استعمال كل وسائل الاقناع لطرفي الحوار أو الخلاف أو النقاش ليس من أجل نصرة رأي على حساب رأي آخر حتى وإن كان باطلاً فهذا ليس هو الهدف الحقيقي، بل الهدف هو دحض حجج الباطل كلها، ولم يكن حقيقيَّاً أبداً أن السفسطائيين كانوا وضيعين ولم تكن لهم قيمة حقيقية، بل كان لهم جلّ الاحترام وكان يشاد بهم. لكن كان هناك من بينهم بعض الفاسدين، وهؤلاء موجودون في كل مذهب فلسفي أو فكري، لكن للأسف أفلاطون لم يتعرض لهم بالاسم لم يحدد الفاسدين بشكل واضح إلا ما ندر، وقد يكون السبب وراء هجوم أفلاطون العنيف هو  عجرفته. 

فأفلاطون المنتمي إلى طبقة النبلاء والمعادي للديمقراطية كان من الطبيعي أن يهاجم السفسطائيين الذين يؤمنون بالديمقراطية واعتقادهم بأن أي إنسان يستطيع أن يتعلم الحكمة والفضيلة، ويمكن إعداد أي إنسان من العامة ليتولى فيما بعد منصبا مهما في السلطة بشرط واحد أن يمتلك اللازم، حتى يتعلّم عند معلم سفسطائي. 

يقول أحد أصدقاء سقراط بأن سقراط شبه السفسطائيين بالعاهرات، لأنّهم يأخذون المال مقابل تعليم تلاميذهم. 

لكن براتراند راسل يرى أنَّ هناك سببا أقوى لعداء أفلاطون الشرس وتلميذه أرسطو ضد السفسطائيين؛ ويتعلق هذا السبب بمحاكمة سقراط في 399 ق. م، والتي انتهت بإعدامه، إذ كان أفلاطون يحمل السفسطائيين المسؤولية غير المباشرة عن إعدام سقراط، كانت تهمة سقراط الرئيسة هي إفساد عقول الشباب، وتعليم التلاميذ كيف يمكن أن تغلب الحجة الضعيفة الحجة الأقوى هي ناتجة من تعليم السفسطائيين ولكن الصقت بسقراط. 

بمعنى أنّ سقراط تمّ التعامل معه في الاتهام والمحاكمة وكأنّه سفسطائي، وهذا لم يكن صحيحيّاً أبداً. انيتوس وهو المسؤول عن توجيه التهم في المحاكمة لم يكن يفرق بين سقراط والسفسطائيين بل وكما ذكر أفلاطون أن انيتوس لا يعرف من الحكمة أو الفلسفة أي شيء، بل كان رجلاً أثينياً عادياً، ولا يعرف عن سقراط سوى ما كان يشاع عنه بأنّه رجل داهية ذكي يجلس في الطرقات ويعلم الحكمة، وكره أهالي أثينا وبعض رجال السلطة للسفسطائيين أثر بشكل كبير على مجرى محاكمة سقراط، والسهم الذي كان من المفروض أن يوجه الى السفسطائيين وجه الى سقراط بالخطأ. 

سقراط هذا المعلم العظيم لم يكن من القطيع كعادة الفلاسفة، وكان يناقش في الدين والأخلاق وهذا بالطبع جلب له الكثير من لأعداء من أهالي أثينا، وتعليم السفسطائيين للتلاميذ الشباب الجدل من أجل الجدل والانتصار فيه في أمور تعد خطيرة ومقدسة كالدين والأخلاق والقانون جعل سمعة الفلاسفة سيئة وسقراط كان الأشهر لهذا أخذوه بجريرتهم، وهذا قد يفسّر لماذا سقراط تجرع السم وانصاع للقانون مع العلم أن كان يمكنه الهروب لكنه لم يفعل، ليثبت للجميع أنه ملتزم بالقانون ولا يحرّض الشباب على التمرّد عليه وهو ما كان يفعله السفسطائيون الفاسدون؛ ومن هنا قد نفهم موقف أفلاطون العدائي ضدهم، فكان همه الأكبر الفصل بين سقراط معلمه وأفكاره وبين الحركة السفسطائيَّة، وكان منه أن عظم الفرق بين الاثنين، ومجد سقراط بشكل كبير. 

نجح أفلاطون في تعظيم نقاط ضعف السفسطائيين فقط للانتصار لمعلمه وأغمض عينيه للأسف عن نقاط القوة أو النقاط الايجابيَّة لديهم، وأن هناك الكثير من السفسطائيين لا يختلفون عن سقراط في بحثهم الحثيث عن الحقيقة ولكن الحقيقة في مكان آخر عمّا كان يعتقده سقراط. عفاف مطر

لماذا أصبحت السفسطائيَّة تهمة؟ لا يخفى على أحد أن أفلاطون كان شديد القسوة على السفسطائيين، وكل ما قاله عنهم التصق بهم، حتى أصبحت آراؤه فيهم وكأنّها سُبة في حقهم ويستخدمها الكثير الى يومنا هذا ضدهم، حتى كلمة سفسطائي في حد ذاتها تستخدم كسُبة في حق شخص ما. 

الانتقاد كان لبّه في أنّه لا ينبغي تعليم الجدال أو أن الجدال ليس من الصحيح تعليمه للتلاميذ، لكن الحقيقة أن أرسطو نفسه في محاوراته كان يعترف بفضل أستاذه السفسطائي الفيلسوف جورجياس، وقال أرسطو أنه من الضروري استعمال كل وسائل الاقناع لطرفي الحوار أو الخلاف أو النقاش ليس من أجل نصرة رأي على حساب رأي آخر حتى وإن كان باطلاً فهذا ليس هو الهدف الحقيقي، بل الهدف هو دحض حجج الباطل كلها، ولم يكن حقيقيَّاً أبداً أن السفسطائيين كانوا وضيعين ولم تكن لهم قيمة حقيقية، بل كان لهم جلّ الاحترام وكان يشاد بهم. لكن كان هناك من بينهم بعض الفاسدين، وهؤلاء موجودون في كل مذهب فلسفي أو فكري، لكن للأسف أفلاطون لم يتعرض لهم بالاسم لم يحدد الفاسدين بشكل واضح إلا ما ندر، وقد يكون السبب وراء هجوم أفلاطون العنيف هو  عجرفته. 

فأفلاطون المنتمي إلى طبقة النبلاء والمعادي للديمقراطية كان من الطبيعي أن يهاجم السفسطائيين الذين يؤمنون بالديمقراطية واعتقادهم بأن أي إنسان يستطيع أن يتعلم الحكمة والفضيلة، ويمكن إعداد أي إنسان من العامة ليتولى فيما بعد منصبا مهما في السلطة بشرط واحد أن يمتلك اللازم، حتى يتعلّم عند معلم سفسطائي. 

يقول أحد أصدقاء سقراط بأن سقراط شبه السفسطائيين بالعاهرات، لأنّهم يأخذون المال مقابل تعليم تلاميذهم. 

لكن براتراند راسل يرى أنَّ هناك سببا أقوى لعداء أفلاطون الشرس وتلميذه أرسطو ضد السفسطائيين؛ ويتعلق هذا السبب بمحاكمة سقراط في 399 ق. م، والتي انتهت بإعدامه، إذ كان أفلاطون يحمل السفسطائيين المسؤولية غير المباشرة عن إعدام سقراط، كانت تهمة سقراط الرئيسة هي إفساد عقول الشباب، وتعليم التلاميذ كيف يمكن أن تغلب الحجة الضعيفة الحجة الأقوى هي ناتجة من تعليم السفسطائيين ولكن الصقت بسقراط. 

بمعنى أنّ سقراط تمّ التعامل معه في الاتهام والمحاكمة وكأنّه سفسطائي، وهذا لم يكن صحيحيّاً أبداً. انيتوس وهو المسؤول عن توجيه التهم في المحاكمة لم يكن يفرق بين سقراط والسفسطائيين بل وكما ذكر أفلاطون أن انيتوس لا يعرف من الحكمة أو الفلسفة أي شيء، بل كان رجلاً أثينياً عادياً، ولا يعرف عن سقراط سوى ما كان يشاع عنه بأنّه رجل داهية ذكي يجلس في الطرقات ويعلم الحكمة، وكره أهالي أثينا وبعض رجال السلطة للسفسطائيين أثر بشكل كبير على مجرى محاكمة سقراط، والسهم الذي كان من المفروض أن يوجه الى السفسطائيين وجه الى سقراط بالخطأ. 

سقراط هذا المعلم العظيم لم يكن من القطيع كعادة الفلاسفة، وكان يناقش في الدين والأخلاق وهذا بالطبع جلب له الكثير من لأعداء من أهالي أثينا، وتعليم السفسطائيين للتلاميذ الشباب الجدل من أجل الجدل والانتصار فيه في أمور تعد خطيرة ومقدسة كالدين والأخلاق والقانون جعل سمعة الفلاسفة سيئة وسقراط كان الأشهر لهذا أخذوه بجريرتهم، وهذا قد يفسّر لماذا سقراط تجرع السم وانصاع للقانون مع العلم أن كان يمكنه الهروب لكنه لم يفعل، ليثبت للجميع أنه ملتزم بالقانون ولا يحرّض الشباب على التمرّد عليه وهو ما كان يفعله السفسطائيون الفاسدون؛ ومن هنا قد نفهم موقف أفلاطون العدائي ضدهم، فكان همه الأكبر الفصل بين سقراط معلمه وأفكاره وبين الحركة السفسطائيَّة، وكان منه أن عظم الفرق بين الاثنين، ومجد سقراط بشكل كبير. 

نجح أفلاطون في تعظيم نقاط ضعف السفسطائيين فقط للانتصار لمعلمه وأغمض عينيه للأسف عن نقاط القوة أو النقاط الايجابيَّة لديهم، وأن هناك الكثير من السفسطائيين لا يختلفون عن سقراط في بحثهم الحثيث عن الحقيقة ولكن الحقيقة في مكان آخر عمّا كان يعتقده سقراط.