جهات حكوميَّة: الرواتب مؤمَّنة ولا يوجد نقص في السيولة

اقتصادية 2024/02/26
...

 بغداد: حيدر فليح الربيعي

نفت "السلطتان" الماليَّة والنقديَّة في العراق، وجود أيِّ مشكلة في السيولة، مؤكدتين تأمين رواتب الموظفين بشكل تام، ودون أيِّ عوائق، فبينما أبدت وزارة المالية استغرابها مما وصفته بـ"ادعاءات" نقص السيولة، أعلنت تأمين رواتب الموظفين وشبكة الحماية الاجتماعية والمتقاعدين دون تلكؤ أو تأخير، في وقت أكد خلاله البنك المركزي أن ما يثار ويشاع عن وجود مشكلة في سيولة الدينار عار عن الصحة.

وعلى الرغم من تأكيد السلطتين المالية والنقدية عدم وجود نقص في السيولة وتأمين كامل مرتبات الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بنظام شبكة الحماية، بيد أنَّ مختصين في الشأن الاقتصادي يرون أنَّ التأخر الحاصل بشكل متكرر في توزيع المستحقات المالية، فسح المجال أمام تلك "الادعاءات" وتسبّب بحصول إرباكات مالية لدى الأسرة، فضلاً عن تسببه بحدوث نوع من الركود في الأسواق نتيجة نقص التمويل لدى أسر الموظفين.

وسط ذلك، رصد مركز اقتصادي متخصص، حصول ارتفاعات في الأسعار منذ بداية العام 2020 ولغاية مطلع العام الحالي 2024، مؤكداً ارتفاع كلف السلع والخدمات بنسبة 18 % بحسب بيانات الأسعار الصادرة عن وزارة التخطيط "الجهاز المركزي للإحصاء" مبيناً في الوقت ذاته، ارتفاع أسعار سلع مهمة وأساسية للمواطن بنسبة بلغت أكثر من 30 % تصدرتها اللحوم التي ارتفعت بنسبة 36 % مقارنة مع 2020 كما ارتفعت أسعار الأسماك بنسبة 38 % فضلاً عن الخدمات الصحية وخدمات النقل اللتين ارتفعتا أكثر من 25 %.

وقالت وزارة المالية في بيان صحفي: "نستغرب من ادعاءات بعض الشخصيات السياسية والإعلامية بشأن عدم وجود سيولة نقدية كافية لتأمين رواتب موظفي الدولة"، مبينة أنَّ "الخطط المالية التي أعدتها ضمن البرنامج الحكومي للإنفاق العام، تضمنت اتخاذ عدة إجراءات وتدابير تتوافق مع ما جاء بقانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل وقانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2023 وتطبيق نظام الخزينة الموحد، من خلال استكمال جداول الموازنة للسنتين المالية 2024 و2025 وتقديمها إلى مجلس الوزراء لتتم المصادقة عليها، وبالتالي تأمين رواتب الموظفين وشبكة الحماية الاجتماعية ورواتب المتقاعدين دون تلكؤ أو تأخير من خلال أرصدتها النقدية المدورة للسنة السابقة وإيراداتها النفطية وغير النفطية".

وأشارت الوزارة إلى أنها "التزمت تأمين تمويلات الرواتب بصورة مستمرة والتوجيه باستئناف الدوام الرسمي ليومي الجمعة والسبت لغرض استكمال توزيع رواتب موظفي الدولة من دون تأخير"، لافتة إلى أنَّ "خطة الإصلاح المالي والاقتصادي التي انتهجتها الحكومة أدت إلى زيادة ملحوظة في النمو الاقتصادي، وحققت مورداً مهماً من موارد الدولة عبر الزيادة الحاصلة في المشاريع التنموية وإعادة تشغيل عدد من المصانع المتوقفة، لاسيما المصانع الغذائية والإنشائية، إذ ازدادت نسبة الإنتاج في عدة مشاريع وذلك في إطار الرؤية التطويرية للاقتصاد العراقي وتنويعه وتخفيف الاعتماد على الإيراد النفطي كمصدر وحيد للموازنة وتعظيم الإيرادات غير النفطية".

وتأكيداً لما أعلنته وزارة المالية، نفى محافظ البنك المركزي، علي العلاق، وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي.

وقال العلاق في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع): إنَّ "ما يثار ويشاع عن وجود مشكلة في سيولة الدينار العراقي عار عن الصحة، والبنك المركزي مستمر في إجراء عملية الاستجابة للطلبات المتعلقة بالسيولة وكذلك وزارة المالية".

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور علي دعدوش، خلال حديثه لـ"الصباح" وجود نقطتين رئيستين يمكن أن تتسبب بهما عملية تأخر توزيع رواتب الموظفين عن موعدها المحدد، إذ تؤثر الأولى في السوق المحلية، بينما تنعكس الثانية سلباً على الأفراد.

وذكر دعدوش أنَّ أي تأخر في توزيع رواتب الموظفين أو المتقاعدين، يفسح المجال أمام "المدعين" الذي يحاولون إرباك الأوضاع المالية، فضلاً عن تسبب ذلك الأمر بعرقلة تسديد الالتزامات المالية المترتبة بذمم المستحقين من الموظفين والمتقاعدين وأسرهم، لاسيما الإيجارات أو الأقساط الدراسية أو التلكؤ في تأمين السلع والمواد الضرورية، فضلاً عن إمكانية حصول انعكاسات صحية نتيجة التأخر في اقتناء الأدوية أو المراجعات الطبية جراء عدم الحصول على المرتبات في موعدها المحدد.

كما يبين دعدوش وجود خلل اقتصادي يمكن أن تتسبب به عملية التأخر بتوزيع الرواتب، والمتمثل بحصول حالة من الانكماش في الأسواق المحلية، وبالتالي حصول ضرر آخر يتحمله العاملون في القطاع الخاص الذين سيعانون من تراجع كبير في المشتريات ناجم عن نقص السيولة لدى الموظفين. ولم يبتعد كثيراً الباحث في الشأن الاقتصادي، بسام رعد، عن الرأي السابق، حينما أكد لـ"الصباح" أنَّ "عملية التلكؤ في إتمام متطلبات توزيع رواتب الموظفين يمكن أن تترك أثراً نفسياً واقتصادياً لدى الفرد، لاسيما أنَّ الرواتب تشكل نوعاً من المدعمات الإيجابية لحركة السواق". وأوضح رعد أنَّ "وزارة المالية تمتلك السيولة الكافية لتمويل رواتب الموظفين وفق جداول التمويل الشهرية، وأنَّ الوضع المالي في البلاد يشهد حالياً استقراراً مدعوماً بإيرادات النفط الوفيرة نتيجة ارتفاع أسعار البترول إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل"، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أنَّ "البنك المركزي يتمتع حالياً باحتياطيات دولارية جيدة".

ولفت الباحث رعد إلى أنَّ "تأخر بعض الجهات العامة في استكمال متطلبات التمويل لموظفيها أو حصول معرقلات فنية أو إدارية في صرف الرواتب لأيام محدودة يعود إلى أسباب لا تتعلق بالوضع المالي للبلد، حيث يمتلك العراق استقراراً نقدياً جيداً".

وفي سياق متصل، أكد رئيس مؤسسة عراق المستقبل، الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، أنه "ومنذ بداية العام 2020 ولغاية مطلع العام الحالي 2024 ارتفعت أسعار السلع والخدمات في العراق بنسبة 18 % بحسب بيانات الأسعار الصادرة عن وزارة التخطيط الجهاز المركزي للإحصاء".

وأشار العبيدي إلى أنَّ "سلعاً مهمة وأساسية في حياة المواطن شهدت ارتفاعاً بالأسعار بلغ أكثر من 30 % تصدرتها اللحوم التي ارتفعت بنسبة 36 % مقارنة مع 2020 كما ارتفعت أسعار الأسماك بنسبة 38 %، كذلك الألبان بنسبة 30 %، فضلاً عن الخدمات الصحية وخدمات النقل اللتين شهدتا ارتفاعاً كبيراً بلغ أكثر من 25 % لكلتا الخدمتين".

ولفت المتحدث إلى أنَّ "أقل الخدمات ارتفاعاً بالأسعار كانت الإيجارات في عموم العراق والتي لم ترتفع سوى بنسبة 2 % وكذلك المشروبات غير الكحولية التي لم ترتفع سوى بنسبة 9 %"، مبيناً أنه "وعلى الرغم من هذه الارتفاعات لم تراعِ الحكومة نسب التضخم الحاصلة بالأسعار على امتداد السنوات الماضية لقطاع الموظفين على الرغم من أنَّ إقرار قانون الخدمة المدنية بضرورة تعديل رواتب الموظفين العامين اعتماداً على نسب التضخم الحاصلة في البلاد".

وتوقع العبيدي "استمرار معدلات التضخم بالارتفاع، لاسيما مع ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد الدولية بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي تؤثر في قطاع واسع من السلع الغذائية"، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أنه وعلى الرغم من هذه الارتفاعات بنسب التضخم خلال أربع سنوات، إلا أنها تعد الأقل مقارنة بباقي الدول المجاورة والعالمية.