كيلي كاسولس تشو
ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
جلس "جنكي هونغ" متأملاً قبل أنْ يختارَ الكلمات المناسبة لوصف الرائحة والنكهة التي أنتجها مختبره، وأخيراً كتب: "وعاء من الرز
الوردي".
يقول هونغ: "تذوقته بنفسي رغم أنَّه لم يقرَّ بعد للاستهلاك العام، ويمكنني القول إنَّ رائحته قريبة من رائحة لحم
البقر".
بيد أنَّ النكهة لم تكن محور تركيز هونغ بل هو ما علق بذلك الرز، وهو البروتين الحيواني المستنبت في المختبر، وما سيعنيه ذلك لمستقبل الغذاء في العالم. يقول هونغ إنَّ العالم في المستقبل سوف يصبح أفضل في جانبي استدامة الغذاء وسلامته.
زراعة خلايا لحم
عمل "جنكي هونغ"، وهو أستاذ في قسم الهندسة الكيميائيَّة والجزيئيَّة الحيويَّة بجامعة يونسي في سيئول، مع زملائه على زراعة خلايا لحم البقر داخل حبات الرز المدهونة بهلام السمك مع إضافة بعض الانزيمات الغذائيَّة المألوفة. كانت النتيجة النهائيَّة وعاءً من الرز الحاوي على زيادة من البروتين نسبتها 8 بالمئة مقارنة بالوجبة الاعتياديَّة مقابل إطلاق الكميَّة ذاتها من الانبعاثات الكربونيَّة التي تطرحها محاصيل الحبوب التي تعدُّ مكونات أساسيَّة في وجبة الطعام بالنسبة لنصف سكان العالم تقريباً. وقد نُشِرَ البحثُ في مجلة "ماتر" الدوريَّة هذا الشهر.
يقول هونغ: "لستُ متخصصاً بالتغذية ولا خبيراً في الأطعمة، وزيادة المحتوى البروتيني بحدود 8 بالمئة قد لا تبدو كثيرة، ولكن إمكانيَّة تناول البروتين الحيواني عبر تناول الرز مسألة مهمَّة".
يرى كثيرٌ من العلماء أنَّ حقل أبحاث اللحوم المستنبتة المستمر بالتوسع يعدُ بمستقبلٍ خالٍ من محاذير الزراعة الحاليَّة المتداخلة مع الصناعة، إذ لن يكون هناك حقنٌ بالهرمونات أو بالمضادات الحيويَّة، ولا مستويات مرتفعة من الكورتيزول (وهي مادة تنتج عن الإجهاد الذي يتعرض له الحيوان وترتبط بانخفاض نوعيَّة اللحوم). كذلك سيقلُّ احتمال انتقال بعض مسببات الأمراض الخطيرة مثل بكتريا "إي كولاي" و"سالمونيلا"، التي قد توجد في اللحوم أو تتلوث بها المحاصيل عندما يرش المزارعون حقولهم بالبراز
الحيواني.
كذلك يدعي مؤيدو اللحوم المنتجة مختبرياً أنَّ هذا التوجه سوف يؤدي الى تقليل ذبح الحيوانات أو تربيتها في حظائر مكتظة، وهذا التقليل يمكن أنْ يتبعه انخفاضٌ في مستوى انبعاثات الكربون الى درجة كبيرة. فحيوانات الماشية مسؤولة عمَّا يقارب الـ32 بالمئة من انبعاثات غاز الميثان التي تتسبب بها نشاطات الإنسان، وفقاً لتقديرات برنامج البيئة التابع للأمم
المتحدة.
متى سيصل للمحال؟
تقول "إيمي راوات" أستاذة علم الأحياء التكاملي والفسلجة في جامعة كاليفورنيا: "هذه هي الرؤية التي يتطلع إليها العاملون في هذا المجال جميعاً. لكنَّ السؤال الحاسم هو: متى سنجد هذا المنتج على الرفوف في محال البقالة؟ أعتقد أننا لا نزال بعيدين عن ذلك الى
حدٍ ما".
يكدُّ العلماء منذ 10 سنوات أو أكثر محاولين التوصل الى هياكل بنائيَّة مناسبة – أو ما يسميه البعض "الناقل الدقيق" - تمكنهم من زراعة البروتين الحيواني والخلايا الدهنيَّة
المستنبتة.
وفي العام 2013 اجتذب عالم هولندي الاهتمام العالمي حين نجح في زراعة فطيرة هامبرغر في صحن اختبار ثم قدمها الى ضيفٍ ليأكلها على شاشات التلفزيون. خلايا لحم البقر التي تكونت منها الفطيرة كانت قد نمت ثم جمعت من على سطح محببات صغيرة (ميكروبيدات) غير صالحة للأكل هي
نفسها.
منذ ذلك الحين عملت مختبراتٌ أخرى على "ناقلات دقيقة" مختلفة، مثل الحبيبات المصنعة من الهلام الصالح للأكل أو البروتين النباتي، بيد أنَّ هونغ وفريقه في كوريا الجنوبيَّة أثبتوا أنَّ من الممكن الاستعانة بأغذية معتادة مثل الرز بدلاً من ذلك.
مرتفعة التكلفة
اجتذبت اللحوم المستنبتة استثمارات بمليارات الدولارات، لكنَّ إنتاجها يبقى مرتفع الكلفة ومن الصعب توسيع نطاقها، إذ لا تسمح للمستهلكين بشرائها سوى دولتين في العالم حتى اليوم هما الولايات المتحدة وسنغافورة. وتعمل بعض الشركات حالياً على صنع منتجاتٍ جديدة هجينة مثل اللحوم المصنعة من أسسٍ نباتيَّة مدمج بها دهونٌ حيوانيَّة لتحسين
النكهة.
الرز الذي أنتجه هونغ ليس معداً للتسويق بعد الى محال البقالة، لكنه يأمل أنْ يُجري بعض التعديلات على التناسب ما بين البروتين والخلايا الدهنيَّة من أجل رفع قيمته الغذائيَّة الى أقصى حدٍ ممكنٍ مع تحسين الطعم، كأنْ يحمل نكهة اللوز التي يتميز بها البروتين العضلي والزبدة المأخوذة من الخلايا الدهنيَّة. بيد أنَّ الطعم بأي حال لن يشبه طعم لحم البقر تماماً نظراً لعدم احتوائه على الدم، لكنه سيصبح لذيذاً جداً إذا ما أضيفت إليه بعض التوابل كما يعتقد
هونغ.
عن صحيفة "واشنطن بوست"