عبد الحليم الرهيمي
لم تمر أي دورة انتخابية لمجالس المحافظات منذ الانتخابات الاولى عام 2005 حتى الانتخابات الاخيرة في 18 كانون الاول/ ديسمبر العام الماضي، دون أن تواجه إشكالات معقدة وحملة انتقادات، وحتى تشكيك بنتائجها ومشكلات حول توزيع مقاعد المجلس واختيار أو (تعيين) المحافظ، هذا بين المشاركين فيها وحتى مفوضية الانتخابات وقانونها، فضلاً عن الانتقادات الكبيرة واحياناً (التسقيطية)، من الرأي العام الشعبي والاعلام.
ولعل أقرب الامثلة على ذلك الانتخابات الاخيرة وما واجهته من مشكلات وانتقادات، خاصة مشكلات اختيار المحافظين وتوزيع المهمات بين بقية أعضاء المجالس واحتدام الصراعات حول ذلك بين (الكتل) الفائزة، هذا باستثناء محافظات كردستان العراق الثلاث: اربيل، السليمانية، دهوك، التي حلها عام 2017 رئيس الحكومة الاسبق دكتور حيدر العبادي.
ان ابرز واهم الانتقادات وحتى الادانات التي كانت توجه إلى تلك الانتخابات ومجالسها، بدءاً من عام 2005 مروراً بالاعوام 2009 و 2017 وحتى الانتخابات الاخيرة وما اسفر عنها من جدل وانتقادات من كتلها، والأهم من الرأي العام بمن فيهم أعداد من قواعد تلك الكتل الذين صوتوا ام لم يصوتوا، هي:
اولاً: الفشل الكبير والمروع في تحقيق الانجازات والاهداف الملقاة على عاتقها بالدستور وبقانون مجالس المحافظات، سواء على صعيد الصحة والتعليم والسكن أو على صعيد الخدمات الضرورية المناطة بها.
ثانياً: خدمة المصالح الحزبية والشخصية للكتل والاحزاب، التي اتت بها إلى تلك المناصب على حساب المصالح والمطالب والاحتياجات الحقيقية لابناء تلك المحافظات.
ثالثاً: استشراء الفساد المالي والاداري وهدر المال العام بشكل مروع، والذي يتحسسه ويشير اليه الرأي العام بالمحافظة دون ملاحقة أو محاسبة جدية من الجهات الرقابية والرسمية المحلية والاتحادية، الامر الذي كان يؤدي إلى تفاقم ذلك الاستشراء بالفساد، ولعل ابرز الادلة على ذلك انكشاف فساد العديد من اعضاء مجالس المحافظات والمحافظين، الذي كان يعلن عنهم أو الذي هربوا أو تم تسهيل تهريبهم خارج العراق، بمساعدة فاسدين آخرين فيتم اغلاق ملفاتهم دون القدرة على مساءلتهم ومحاسبتهم الأمر، الذي كان يزيد ويضاعف حالات الفساد واستشرائه.
رابعاً: أما السبب الاهم والابرز فهو الطعن بصحة التمثيل المطلوب الذي تعبر عنه أعداد المصوتين ونسبتهم في مجتمع المحافظة، لان ضآلة التمثيل المعمول بها قد تبدوا أو تقر دستورياً لكنها لا تحتسب ولا تعبر عن سلامة وحقيقة التمثيل الشعبي الذي وان كان يتم تجاوزه والسعي لتحقيقه، فان ضآلة النتائج تطعن أو تضعف من شرعية المؤسسات أو القيادات التي تتولى القيادة أو الحكم في مجالس المحافظات، وهذا قد ينسحب حتى على نتائج ودلالات التمثيل الضئيل في المجالس التشريعية.
ولأن التغطية على هذا الواقع أو تبريره وايراد النسب والارقام غير الحقيقية للتصويت والتمثيل، والذي تقوم به الكتل والتيارات والاحزاب المتنفذة في المجتمع وفي السلطة، فغن نتيجته السياسية والفعلية، هي حصول عدم استقرار في الوضع السياسي والأمني العام في البلاد، كما حصل وجرى التعبير عنه بالانتفاضة الشعبية الواسعة التي عبرت عنها حركة الاحتجاجات الشعبية والوطنية عام 2019.
وهنا يمكن طرح العديد من التساؤلات منها : اذا كانت كل تلك الانتقادات والادانة لاداء وفشل وفساد معظم مجالس المحافظات وقياداتها قد أدت، من بين ما أدت إلى دفع أو ارغام البرلمان على التصويت عام 2019 بالغاء مجالس المحافظات، كأحد المطالب الرئيسية لحركة الاحتجاجات، غير انه اعادة العمل بقانون تلك المجالس وعلى اساس قانون (سانت ليغو) الذي يهدف إلى تثبيت هيمنة القوى والاحزاب التقليدية المتنفذة ، ووجه بانتقادات شديدة من مختلف القوى المعارضة والاحتجاجية، قد مثلت صدمة حقيقية لها، الامر الذي يجب اعادة النظر أساساً مجدداً بقانون انتخابات مجالس المحافظات، وإضافة إحدى الفقرات المهمة، التي تحدد النسبة المئوية اللازمة لنتائج التصويت، فضلاً عن السعي لاصلاح حقيقي ودستوري لعمل وشرعية مجالس المحافظات، الامر يساعد في إقناع ابناء المحافظات تلك المجالس والثقة بادائها ونزاهتها، كي يتحقق الاستقرار المطلوب بفضل تحقيق الاهداف والانجازات الحقيقية لمواطني تلك المحافظات، ويبدد الآراء التي تقول بأن مجالس المحافظات حلقة
زائدة.