نزار قباني.. دستوبيا الواقع وحرب غزة

منصة 2024/03/06
...

 حسين عبد العزيز

منذ أن بدأت حرب تصفية العرب، المعروفة بثورات الربيع العربي وأنا أطرح سؤالا واحدا لا يتغير، وهو "ماذا لو أن نزار قباني موجود معنا الآن" ما القصيدة التي سوف
يكتبها .
أم سوف يكتفي  بـ "متى يعلنون وفاة العرب" فيعد نشرها، تلك القصيدة التي نشرت في عام 1994.  
وهنا أجدني أتذكر قوله واصفا العرب وحالهم "العالم العربي يركب قطارا عثمانيا عجوزا يسافر به من الجاهلية الأولى إلى الجاهلية الثاني".
من الممكن أن نقول إن المبدع هو من يأخذ مادته من الحياة ويعيد صياغتها، فيبرز رؤية جديدة لها والمعنى والحركة الداخلية الكامنة فيها، والتي لا يراها إلا المثقف في ذاته "شاعرا قاصا روائيا مسرحيا" ولا يعتمد على انتاج الآخرين.
وأيضا مطالبة القراء بفن القراءة لأنه توجد مشكلة في هذا الأمر، إذ يكون تعاملهم بظاهر الحدث، ولا يتعدون جوهره ومضمونه، ولا يتمكنون من الفصل بين المُمثل والدور الذي يؤديه.
وأيضا لدينا محاولة جعل بطل النص هو المؤلف "رجل/ امرأة" وهذا يعد أكبر قضية وأعظم ظلم يقع على الإبداع والمبدع.
وأقف هنا عند نزار قباني الذي أخذ عليه أنه شاعر العواطف الحسيَّة، لأنَّ أشعاره عن النساء، حتى السياسي منه.
وبالفعل الشعر كذلك، لكن المرأة هنا ترمز إلى الحرية، وهل يوجد أفضل وأعظم من المرأة حتى نأخذها كرمز يعبر من خلاله عن القضية التي يراد أن يعبر عنها الشاعر. وبما أن أخته قد انتحرت عندما أجبرها أبوها ونظام العشيرة على الزواج من الذي لا تريده أو
ترغب به، هذ الحادثة ربما دفعت الشاعر ليتخذ كل شعره عن الحرية، وبالتأكيد أن أجمل وأعظم من ترمز إلى الحرية من خلال الشعر، هي المرأة التي تعد محور الأشياء كلها عبر التاريخ.
لا بدَّ أن نقف عند الجماعة التي رفضت جنازته في رحيله، هذا الخبر الذي أذهل الجميع وغطى على كل الأحداث السياسية في العالم العربي آنذاك وكيف عمَّ الحزن.. أتذكر تلك اللحظة في لندن لوداع الشاعر القلق.  
وهنا لا أجد أجمل ممن قاله الروائي الطيب صالح عن نزار قباني "إن العالم العربي من دون نزار ينقص كثيرا، ويكفي أنه وحّد المشاعر العربيَّة كلها في الحزن، ولو كان الشعراء يقولون ما يفعلون لما كان هناك شعر".
يكفي الشاعر أن يرش ملحا على الجرح، فهو يقول ما يردده الناس في السر والخفاء، ويكتب في العلن ما يدوّنونه على الأبواب والجدران.
الشاعر يعبر عن واقع فاسد لا أمل فيه، هذا الواقع الذي ربما جسده فيلم البداية للمخرج صلاح ابو سيف، حين قدم فكرة "كيف نصنع الدكتاتور، وكيف يستغل بعضنا البعض"، مع أن العرب فى مركب واحد، فإن نجا المركب نجوا، والعكس إن غرق.
وكما يحدث الآن في السودان وغزة، فإننا ربما لا ندرك ما يحدث، ولماذا، غير أن الأمر برمته يخدم إسرائيل.. وهذا هو السؤال الذي لا بدَّ من إيجاد اجابة مقنعة له قبل فوات الأوان، كما تقول أم كلثوم "تفيد بإيه يا ندم".