متلازمة التعب المزمن وعلاقتها بتوازن الدماغ

علوم وتكنلوجيا 2024/03/07
...

 هانا ديفلين

 ترجمة: بهاء سلمان


إكتشف العلماء أدلّة دامغة على وجود تشوّهات في الدماغ والجهاز المناعي لدى المرضى الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن، والمعروفة أيضاً باسم التهاب الدماغ والنخاع العضلي.

النتائج، في واحدة من أكثر التحقيقات صرامة حتى الآن، بدأت في إلقاء الضوء على الأساس البيولوجي للمرض الذي يمكن أنْ يسببَ التعب المعوّق. 

وهذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تثبت وجود صلة بين الاختلالات في نشاط الدماغ ومشاعر التعب، وتشير إلى أنَّ هذه التغييرات يمكن أنْ تكون ناجمة عن خللٍ في الجهاز المناعي.

ويقول "والتر كوروشيتز"، مدير المعهد الوطني للاضطرابات العصبيَّة والسكتة الدماغيَّة التابع للمعاهد الوطنيَّة للصحة في الولايات المتحدة: "يعاني الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن من أعراضٍ حقيقيَّة ومعيقة للغاية، لكنَّ الكشف عن أساسهم البيولوجي كان صعباً جداً. 

لقد وجدت هذه الدراسة المتعمّقة لمجموعة صغيرة من الأشخاص عدداً من العوامل التي من المحتمل أنْ تسهمَ في حصول متلازمة التعب المزمنة لديهم".

وشملت الدراسة 17 مريضاً فقط، ويجب تأكيد النتائج في مجموعة أكبر قبل أنْ تتمَّ المطالبة بها كخارطة طريقٍ نحو علاجاتٍ جديدة. وليس من الواضح أيضاً إلى أي مدى تنطبقُ النتائج على مرض كوفيد الطويل الأمد، حيث تمَّ تجنيد المرضى وتقييمهم قبل الوباء؛ لكنَّ العلماء وصفوا هذا العمل بأنه بحثٌ عميقٌ طال انتظاره في بيولوجيا هذه الحالة.


دراسات متعددة

يقول "كارل مورتن"، الذي يبحث في متلازمة التعب المزمن في مستشفى جون رادكليف بجامعة أكسفورد، والذي لم يشارك في العمل الأخير: "هذه ورقة بحثيَّة مهمة للغاية، وأنا سعيدٌ جداً برؤيتها تنشر. لقد أجرينا الكثير من الدراسات الصغيرة التي تظهر أنه قد تكون هناك مشكلة في هذه الخليَّة أو تلك الخليَّة، ولكنْ لم ينظر أحدٌ حقاً إلى كل شيء في مريضٍ واحدٍ من قبل".

وكان المرضى في الدراسة، الذين تمَّ اختيارهم بعناية من مجموعة أوليَّة مكوّنة من 300 مريض، قد عانوا جميعاً من العدوى قبل إصابتهم بالمرض. أثناء الدراسة، مكثوا في عيادة المعاهد الوطنيَّة للصحة لمدة أسبوع وتمَّ إعطاؤهم مجموعة واسعة من التقييمات الفسيولوجيَّة.

أظهرت نتائج فحوصات الدماغ بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أنَّ الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن لديهم نشاطٌ أقل في منطقة الدماغ تسمى الوصل الصدغي الجداري، ما قد يسبب التعب عن طريق تعطيل الطريقة التي يقرر بها الدماغ كيفيَّة بذل الجهد. 

كما ظلت القشرة الحركيَّة، وهي منطقة الدماغ التي توجه حركات الجسم، نشطة بشكلٍ غير طبيعي أثناء المهام المرهقة. 

ومع ذلك، لم تكن هناك علاماتٌ على التعب العضلي".

يشير هذا إلى أنَّ التعب في حالة متلازمة التعب المزمن يمكن أنْ يكون ناجماً عن خللٍ في مناطق الدماغ التي تحرك القشرة الحركيَّة، وأن التغيّرات في الدماغ قد تغيّر قدرة المرضى على تحمل المجهود وإدراكهم للتعب.

ويقول "بريان واليت"، طبيب الأبحاث المساعد في مدير المعهد الوطني للاضطرابات العصبيَّة والسكتة الدماغيَّة والمؤلف الأول للدراسة، التي نشرت في مجلة التواصل الطبيعي "Nature Communications": "ربما حددنا نقطة محوريَّة فسيولوجيَّة للإرهاق لدى هذه الفئة من السكان، فبدلاً من الإرهاق الجسدي أو الافتقار إلى الحافز، قد ينشأ الإرهاق من عدم التوافق بين ما يعتقد الأفراد أنهم قادرون على تحقيقه وما تؤديه أجسامهم".


استجابات مغلوطة

ويشير مورتن إلى أنَّ اكتشاف التشوّهات في وظائف المخ لا يوحي بأنَّ المرضى يقودون مرضهم نفسياً أو لديهم أي سيطرة عليه، ويضيف موضحاً: "يمكن للدماغ أنْ يستجيب للمنبهات والتأثيرات على الجسم، فالدماغ لا يعمل وفق المعطيات الجسديَّة والكيميائيَّة الحيويَّة بشكل صحيح، والمرض هو الذي يفعل ذلك، وليس المريض".

كان لدى المرضى أيضاً ارتفاعٌ في معدلات ضربات القلب، واستغرق ضغط الدم وقتاً أطول حتى يعود إلى طبيعته بعد المجهود. 

وكانت هناك أيضاً تغييرات في الخلايا المتخذة شكل حرف T للمرضى، التي تم أخذ عينات منها من السائل النخاعي، ما يشير إلى أن هذه الخلايا المناعيَّة كانت تحاول محاربة شيء ما. 

قد يشير هذا إلى فشل الجهاز المناعي في التراجع بعد شفاء العدوى أو وجود عدوى مزمنة في الجسم لم يتم اكتشافها.

وقد رحب العلماء بهذه النتائج بوصفها خطوة مهمة نحو الكشف عن الأسباب البيولوجيَّة الكامنة وراء المرض. حتى الآن، أدى عدم وجود أي أساس بيولوجي واضح للمرض إلى فصل المرضى ووصمهم واضطرارهم إلى البحث عن خيارات علاجيَّة غير فعالة.


صحيفة الغارديان البريطانيَّة