نضوب الموارد هو التحدي الأكبر

آراء 2024/03/11
...

 باسم محمد حبيب


هناك اختلاف في نظرة كل من المثقفين الغربيين والشرق أوسطيين تجاه حضارة كل منهما، على الرغم من إيمان كلاهما بأن حضارتهم هي الحضارة الحقيقية، التي يجب أن تسود وترث الأرض ومن عليها، ففي حين يرى الغربيون أن حضارتهم هي نتاج لسلسلة من الحضارات الممتدة على مدى خمسة آلاف سنة، بدءا من حضارة بلاد الرافدين مرورا بالحضارتين السريانية والأغريقية ثم الحضارة الاوربية المسيحية، وصولا إلى الحضارة الغربية التي يروها هي الحضارة المؤهلة لأن تسود عالميا ليس لأنها الأقوى والأكثر سطوة وثراءا فحسب، بل والأفضل قيما ونتاجا أيضا وأن أي رفض أو مقاومة لها هو غير مجدٍ وغير ذي نفع، يرى الشرق أوسطيون أن حضارتهم إلهية مسددة برضا الله وتوفيقه وهي موعودة بأن ترث الأرض ومن عليها وما على أتباعها إلا الصبر، لتأتي اللحظة الفارقة التي تغير الموازين وتقلب الأمور لصالح هذه الحضارة، سواء بمجيء المنقذ الموعود أو بتداعي الغرب وصمود الحضارة الإسلامية، وللأسف فإن هاتين النظرتين المتقاطعتين تتجاهلان حقيقة مهمة، وهي أن كلاهما أيا كان الفارق بينهما تقنيا وثقافيا يتجاهلان تأثير العامل الأهم، وهو سيل التحديات البيئية والمناخية وتحدي نضوب الموارد والطاقة، فهذا العامل هو الذي يشكل الخطر الأكبر على بنية ووتيرة كل منهما إلى جانب الصراع الحضاري، فحتى ولو اعتقدت هاتان الحضارتان أنهما هما من ستفوزان به، فإن الخطر الأكبر عليهما سيكون من ذلك العامل، الذي سيحدد مصير البشر بأجمعهم وليس مصير حضارة بعينها، ومن ثم فإن واجب كل الحضارات هو الالتفات لهذا الخطر الكبير، وعده الأمر الاولى بالتعاطي والمواجهة من أي عامل آخر وترك الافضلية الحضارية تأخذ مجراها بشكل طبيعي تبعا لقدرة كل حضارة من الحضارات على تحييد هذا التحدي وإنزاله من مرتبة 

الخطر.

فالحضارات البشرية جميعا كانت من البداية تواجه هذا التحدي، الذي كان العامل الأكبر في تحديد نمطها الثقافي أو هويتها الحضارية، أما الصراع الحضاري فلم يكن إلا عرضا جانبيا في المشهد الحضاري الأكبر ومن الخطر جعله العامل الأول الذي يحدد اتجاه الحضارات أو يوجه مسارها، لأنه سيلهيها عن الخطر الاكبر الذي يهدد الحضارات البشرية بأسرها، فليس هناك من أمل لنجاة البشرية من دون إبعاد هذا الهاجس وإبعاد هذا العامل عن سلم الاولويات، وعلى الرغم من صعوبة تقبل هذا الأمر من بعض الجهات فضلا عن صعوبة تمريره وتنفيذه إلا أن إشاعته كإتجاه ثقافي ربما يكون قيما لهذا الأمر ومناسبا للبحث فيه والسير إليه.