سامنثا فرانكو
 ترجمة: شيماء ميران

يُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في كل شيء، ولكون خبراء التاريخ والآثار ليست لهم معرفة بهذا العالم، فيضطرون للاستعانة بخبراء تكنولوجيين بغية تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي. إذ قام باحثان بتطوير «تحدي فيزوف» لغرض استخدام الذكاء الاصطناعي لفك تشفير المخطوطات اليونانيَّة القديمة المتفحمة من دون لمسها.

تحدي فيزوف
بعد ثوران جبل فيزوف المدمر عام 79 بعد الميلاد، احترقت فيلا رومانيَّة فاخرة في «هيركولانيوم»، يُعتقد أنَّها تعود ليوليوس قيصر، وكانت تضمُّ مئات من مخطوطات البردي، إذ تفحمت أكثر من ألف مخطوطة يونانيَّة بشكلٍ كاملٍ أو جزئي ولأنَّها ملفوفة تبدو وكأنها جذوعٌ من الرماد المتصلب. أثناء عمليات التنقيب في القرن الثامن عشر، كانت المخطوطات بحالة حساسة جداً حتى أنَّ الباحثين يخافون من لمسها وكان الحبر الأسود المرئي غير قابلٍ للقراءة. ومنذ ذلك الحين، ظلت المخطوطات ملفوفة في معهد فرنسا في باريس والمكتبة الوطنيَّة في نابولي.
في العام الماضي، قام «برنت سيلز»، عالمُ الكومبيوتر بجامعة كنتاكي، و»نات فريدمان»، مؤسس شركة «غيثيب» بإطلاق وتطوير «تحدي فيزوف»، إذ طلبوا من المتسابقين فكَّ أربعة مقاطع من إحدى مخطوطات هيركولانيوم، وتحديد ما لا يقل عن 140 حرفاً، واسترداد ما لا يقل عن 85 بالمئة من الأحرف. ومن خلال إجراء فحوصات مقطعيَّة عالية الدقة للمخطوطة، ووضعوا جائزة قدرها مليون دولار لتحفيز الباحثين.

فك كود المخطوطات
أعلن «فريدمان» فوز ثلاثة باحثين بالجائزة الكبرى وتبلغ 700 ألف دولار بعد أنْ تمكنوا من قراءة أكثر من ألفي حرفٍ يوناني بالمخطوطة. وفاز «لوك فاريتور» طالب ومتدرب في سبيس أكس من نبراسكا، بجائزة الحروف الأولى البالغة أربعين ألف دولار بعد أنْ حدَّدَ كلمة «ارجواني»، ثم حاول مع «يوسف نادر» طالب في برلين والحاصل على الدكتوراه، و»جوليان شيليجر» طالب الروبوتات السويسري الفوز بالمسابقة.
اعتمد الفريق على الخوارزميات التي طورتها وأصدرتها شركة ((Seale لفك المخطوطة رقمياً واكتشاف الحبر على سطحها. وتمكنوا معاً من التعرف على أكثر من ألفي حرف، أي نحو خمسة بالمئة من المخطوطة. يقول “نادر”: “لقد كانت رحلة مجزية بشكلٍ لا يصدق، اندفاع الأدرينالين هو ما جعلنا نستمر. كان أمراً مجنوناً، استمرَّ العمل لمدة 20 ساعة في اليوم”.
يقول “روبرت فاولر”، أستاذ اللغة اليونانيَّة الفخري في جامعة بريستول ورئيس جمعيَّة هيركولانيوم: “إنَّ عملهم يغير قواعد اللعبة بالكامل بالنسبة للمهن، إذ هناك المئات من المخطوطات في انتظار حل رموزها”. تقول الدكتورة “فيديريكا نيكولاردي”، عالمة البرديات بجامعة نابولي: “هذه بداية ثورة في علم البرديات في هيركولانيوم وفي الفلسفة اليونانيَّة بشكلٍ عام. إنها المكتبة الوحيدة التي أتت إلينا منذ العصر الروماني القديم”.

محتوى المخطوطة
أتاحت هذه المسابقة للباحثين تحديد محتويات المخطوطة. يقول «فاولر» عن مؤلف المخطوطة: «من المحتمل أنْ يكون فيلوديموس. فالاسلوب شرير للغاية، ونموذجي بالنسبة لموضوعه، ففي حالة الطعام، نحن لا نصدق على الفور أنَّ الأشياء النادرة تكون أكثر متعة من المتوفرة بكثرة». تأمل فاولر هذه المقاطع قائلاً: «أعتقد أنَّها تطرح سؤالاً: ما هو مصدر المتعة في مزيجٍ من الأشياء؟ هل هو العنصر المهيمن، أم هو العنصر النادر، أم هو المزيج نفسه؟».

تحرك للأمام
في الواقع، يعدُّ انتهاء المسابقة بداية لتحركٍ جديدٍ لقراءة المزيد من مخطوطات هيركولانيوم. بدءاً، سيستمر التحدي والبحث على المخطوطة ذاتها بهدف قراءة 85 بالمئة تقريباً منها. ما سيضع أساساً متيناً لفك رموز مئات المخطوطات التي تمَّ اكتشافها بالفعل بانتظار قراءتها، إضافة إلى العديد من المخطوطات الأخرى التي يُعتقد أنها لا تزال مدفونة في الفيلا. ومن المرجح أنْ يتمَّ إجراء المزيد من الحفريات لاستعادتها.
تتمثل الخطوات التالية في أتمتة عمليَّة تتبع سطح البردي بشكل كامل، إضافة لتحسين الحبر المكتشف في الاجزاء الأكثر تلفاً في المخطوطات. يقول «فريدمان»: «عندما أطلقنا التحدي قبل أقل من عام، لم أكن متأكداً من نجاحه. يقول الناس إنَّ المال لا يشتري السعادة، لكن ليس لديهم
خيال».

عن ذا فينتج نيوز