فان كوخ وماثيو وونغ.. تشابه فني ومأساوي

ثقافة 2024/03/14
...

 فرح نايري
 ترجمة: كريمة عبد النبي

يستضيف متحف فان كوخ في أمستردام حاليا معرضا فنيا للرسام الكندي الصيني ماثيو وونغ.
ويتضمن المعرض بالأصل عددا من أعمال الرسام العالمي فان كوخ، الأمر الذي يقدم للزائر فرصة للمقارنة بين أوجه الشبه والاختلاف بين أعمال هذين الرسامين على الرغم من طول المدة الزمنية الفاصلة بين عصريهما والتي تصل إلى قرابة القرن من الزمان.
تكاد حياة هذين الفنانين تكون متشابهه، إذ أصبح كل منهما فنانا وهو في نهاية العشرينيات من العمر، وكانا في نهاية العقد الثالث من العمر حين أقدم كل منهما على الانتحار.
كان وونغ يشعر بقرابة عميقة مع فان كوخ وأوضح هذه القرابة في كلمات كتبها عام 2018، قال فيها: أرى نفسي فيه -أي فان كوخ-، استحالة الانتماء في هذا العالم.
كان وونغ يعاني من الاكتئاب والتوحد وهذا ما جعله يضع حدا لحياته ويقدم على الانتحار عام 2019، وكان عمره آنذاك خمسة وثلاثين عاما.
وحسب مديرة المعرض إيميلي غوردنكر فإن "أعمال فان كوخ وقصة حياته لا يزالان يؤثران في رسامي وقتنا الحاضر".
ويقدم المعرض فرصة للمقارنة بين هذين الرسامين ودراسة مدى التشابه والاختلاف في الأعمال المعروضة، حيث يتضمن ستة أعمال للرسام فان كوخ، مقابل إحدى وأربعين لوحة وواحد وعشرين عملا على الورق للرسام وونغ.
ولد وونغ عام 1984 في مدينة تورونتو بكندا، وانتقل هو وعائلته إلى هونغ كونغ وكان حينها في السابعة من العمر، لكن العائلة عادت إلى كندا عندما بلغ وونغ الخامسة عشرة من عمره وذلك لغرض علاجه من مرض التوحد وبعد حصوله على شهادته في الانثروبولوجيا الثقافية من جامعة مشيغان عام 2007 عاد إلى هونغ كونغ ليتجه إلى كتابة الشعر والمشاركة في النوادي الشعرية في هذه المدينة.
في عام 2010 حصل على شهادة الماجستير في فن التصوير الفوتوغرافي.
بعد ذلك قام وونغ بتجربة الرسم وبدأ باستخدام الحبر أولا. وأخذ يصب الحبر على الورق بصورة عشوائية على أمل أن ينتج عنها شيء مثير للاهتمام ومن ثم أخذ يستخدم الألوان الزيتية.
وتقول فيفيان لي، التي أشرفت على معرض وونغ بقاعة متحف دالاس العام الماضي، إن "ما أدهشني هو الثقة التي كان يتمتع بها وونغ منذ اللحظة الأولى التي بدأ بها مزاولة فن الرسم".
وأشارت لي إلى أن أصدقاء وونغ يتذكرون قوله "سأكون فنانا كبيرا". وأضافت أن "وونغ كان يثق بموهبته".
في عام 2015، أقام وونغ أول معرض شخصي له على قاعة مركز الفنون البصرية في هونغ كونغ حيث اشتهرت لوحاته وبدأت معارضه تقام واحدا تلو الآخر، وفي مدن عديدة من العالم لتصل أسعار لوحاته إلى مستويات قياسية.
كان وونغ يستخدم الألوان الزاهية والموضوعات الصوفية.
وبعد أن استخدم وونغ مواقع التواصل الاجتماعي، تمكن من توسيع ثقافته الفنية حيث بدأ بدراسة روائع الرسامين الغربيين والصينيين عبر الانترنت، كما أنشأ موقعا على الفيس بوك ضم العديد من الرسامين المعروفين وغير المعروفين من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وكان موقعه على الفيس بوك بمثابة "صف دراسي" له.
في عام 2014، نشر وونغ أعماله على "الفيس بوك" إلى جانب أحد أعمال الرسام فان كوخ.
وفي مقابلة له أجريت عام 2018، أشار وونغ إلى أن فان كوخ هو واحد من الفنانين الرواد الذين تأثر بهم وأثروا في أعماله. وفي عام 2019، وهو العام الذي وضع فيه حدا لحياته، قدم وونغ ثلاثة أعمال من بينها لوحتان بعنوان "ليلة النجوم" و"المساحات بين الأشجار".
وفي الحقيقة، فإن لوحة "المساحات بين الأشجار" هي نسخة عن أحدى لوحات الرسام فان كوخ  التي فقدت أثناء الحرب العالمية الثانية.
لم يكن الشبه بين هذين الرسامين يقتصر على الفن، بل تعدى الشبه بينهما ليصل إلى الحياة الشخصية. فعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققه وونغ في معرض غاليري كارما ووصول أسعار لوحاته إلى أرقام قياسية، إلا أنه وضع حدا لحياته قبل أقامة معرضه الشخصي الثاني بشهر واحد.
ويمكن لمحبي فن الرسم رؤية مدى الاخلاص والالتزام التام في أعمال هذين الفنانين والقدرة على الجمع بين العمق العاطفي واللغة المرئية التي يسهل الوصول اليها. كما تميزت أعمالهما بالروح نفسها والألوان الزاهية المعبرة.
ولا يقتصر الشبه بين هذين الرسامين على الأعمال الفنية فقط، بل يشتركان في قواسم مأساوية مشتركة حيث توفى كل منهما في العقد الثالث من العمر وهما في أوج العطاء الفني والشهرة بعد أن أقدم كل منهما على الانتحار.

عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية