علي رياح
خلال زيارتي في مهمة عمل تلفزيونيَّة إلى مانيلا عاصمة الفلبين قبل مدة من الزمن، استعاد بعض الإعلاميين معي هناك تفصيلات الإنجاز العراقي في كأس آسيا 2007، وكان واضحاً أنه ترك أروع الانطباع لديهم. أكثر من هذا، كان هناك سؤال مُحدد عمّا إذا كان بعض نجوم ذلك الإنجاز وتحديداً نور صبري ونشأت أكرم ويونس محمود ما زالوا يواصلون اللعب، فكانت إجابتي أنَّ جيل 2007 بأكمله قد اعتزل اللعب وتوزّع بين مهام تدريبية وإدارية وأخرى خارج ملاعب الكرة.
أستعيد تلك الانطباعات الآن ونحن على بعد ثلاثة أيام عن لقاء الفلبين في البصرة والتفاوت الواضح في المستوى بين الكرتين والمنتخبين وكذلك في الموقع على لائحة التصنيف الدولية، فهنالك مسافة (80) مركزاً نتفوق فيها، برغم أنَّ العمق التاريخي الكروي الرسمي للفلبين يبقى هو الأكبر، فلقد تأسس اتحاد الكرة لديها عام 1907 أي أنه سبق ولادة اتحادنا بإحدى وأربعين سنة.
وكرة القدم في الفلبين، خلافاً لما هي الحال في العراق، ليست اللعبة الشعبية الأولى، كما أنها ليست حتى في صدارة الألعاب التي يعشقها الشعب الفلبيني، فالأرجحية كما رأيت بأمّ عيني لكرة السلة والملاكمة والبادمنتون (الريشة الطائرة) والكرة الطائرة وغيرها، ومع هذا يتطلع المدرب البلجيكي توم سينتفيت الذي باشر مهمته قبل مدّة وجيزة، إلى العمل على تطوير المنتخب الفلبيني ونتائجه، مُوظفاً بذلك خبرة تدريبية تقترب من ثلاثة عقود من الزمن تنقّل فيها بين أندية منتخبات مشارق الأرض ومغاربها حتى استقرّ به المطاف في مانيلا لإدارة منتخب لا يملك رصيداً دولياً، كما أنه- من حيث المبدأ- لا يملك فرصة حقيقية في الذهاب إلى كأس العالم بعد سنتين.
أُسجّل لدى الحديث عن منتخب الفلبين انطباعاتي الإعلامية الميدانية عن البلاد التي تقع في مكان قصيّ عنا. فالميزة الثقافية أو الحضارية قد أكسبت الشعب الفلبيني مرونة التواصل مع الشعوب على اختلاف مَـشاربها وانتماءاتها.. والشعب الفلبيني اعتاد على أن يجد نفسه على مسرح الحياة بقدرته على الصبر وعلى التكيّف. ولهذا فإنَّ الحديث عن الناتج الإجمالي للفلبين يعني بالضرورة الحديث عن الموارد الأساسية التي تشكل الدخل القومي للبلاد وأهمّها السياحة ثم تحويلات الفلبينيين العاملين خارج البلاد والذين يشكلون الركيزة الأساسية التي يقوم عليها اقتصادهم..
أما الخروج عن إطار العاصمة مانيلا، فيعني العيش في أجواء طبيعية مثالية يحيطها الماء وتغمرها الخضرة، لعل بينها تلك المنطقة التي يتوسطها البركان الشهير (تآل) الذي يثور في كل حزمة من العقود.. وقد كانت لي مغامرة محمودة العواقب بستر الله حين دُعيت إلى وجبة غداء على (ظهر) البركان الراكد.
والفلبين نموذج للبلد الذي يتكيّف مع الصعاب. والزائر لأي مدينة هناك تأخذه الدهشة حين يتخيّل هذه العربة الفريدة التي لا نظير في العالم لشكلها أو ملامحها والتي تتكفل بنقل ملايين الناس في نسقٍ عجيب.. العربة اسمُها (جيب ني) وأهمُ ما فيها أنها عبارة عن محرك قديم لأي ماركة معروفة من السيارات العالمية، تقوم المصانع المحلية بتصميم هيكل لها كي تكون واسطة النقل التي تستوعب أكبر عدد من الناس.. يعني (دَگ النجف) بمفهومنا الموروث.
بعيداً عن الكرة وهموم التصفيات، تمثل الفلبين سحراً إنسانياً تكتبه الطبيعة، وتزينه حلاوة الطباع، والإقبال على الحياة.