{الماجينه} و{المحيبس}.. عادات متوارثة في العراق

منصة 2024/03/20
...

 بغداد: نوارة محمد

منذ اللحظة الأولى التي يجيء فيها رمضان تعود الطقوس التي تميز شهر الصيام.. هذه العادات التي توارثتها الأجيال غاب بعضها بفعل نمط الحياة الحديث، وأصبح البعض الآخر عرضة للاندثار.

لكن في العودة إلى التراث الشعبي نجد أن بعض التقاليد راسخة وهي ترتبط بالمُدن، تبعا للأمكنة والجو وما يحيطها كما يقول المفكر والباحث في التراث الشعبي عادل العرداوي إن: هناك عادات لدى المجتمعات راسخة، لكنها تتغير تبعاً لتغير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، والأمر في العراق لا يختلف كثيرا لاسيما أنه شهد تغييرات هائلة خلال العشرين عاما الماضية، حيث أثرت كثيراً في بناه المتوارثة على مختلف الأصعدة.
ويتابع: كانت من بين طقوس شهر رمضان التي غُيب كثير منها، ومال بعضها الآخر إلى السوء واللامبالاة، هي ظاهرة (المسحراتي) تلك الشخصية الأيقونة، التي لم تكن لتغيب عن شهر الصيام اليوم لم تعد ذات تأثير.
ويوضح: في الغالب نجد أن (المسرحجي) قد انحرف عن تأدية دوره الحقيقي وتحول مروره إلى ما يشبه الاحتفال في الشارع يجتمع حوله الصِغار، وأن هذه واحدة من تأثيرات العولمة الحديثة، فالصائمون لم يعدوا بحاجة لمن يوقظهم.
ويضيف أن "المورثات التي حرص العراقيون على بقائها مستمرة لقرون تصارع شكل الحياة الحديث الذي فرض سيطرته".
من جهته يعتقد رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي، ورئيس مؤسسة "شناشيل" لإحياء التراث الإنساني صالح زامل أن رمضان هو جزء يجسد التراث الثقافي، والعراق لا يزال يحتفظ ببعض منه، إذ "يصاحب هذا الشهر الكثير من التراث الثقافي الخاص به، ويكاد أن يتشابه العالم الإسلامي بالكثير من تفصيلاته، لكن الفردانية تتحدد بالزمان والمكان، وأن خصوصية العراق لهذا التراث تتجسد بألعاب الاطفال كالماجينه أو الكركيعان، حيث يدور الأولاد ينشدون أمام أبواب المحلة بعد قرعها، ويحرص أهل كل دار أن يعطوهم الحلوى كرما أو خوفا من رميهم بالبخل.
أما لعبة المحيبس التي ينقسم فيها الكبار لفريقين يصاحبها الغناء الشعبي، والاهازيج ومنه المربعات مثلا، في بغداد، كما يسودها جو الهزل المصاحب للتنافس وترافقه أقوال وأفعال، وقد تتعدى حدود المحلة إلى اشتراك بالتنافس مع المحلات الأخرى بمباراة يسودها الود، وفقا لتعبيره.
ويتابع زامل: هناك قاسم كبير لعادات غالبا قرينة بالمطبخ منها؛ أفراد سهم من المأكل الرئيس في الفطور للجار، أو للفقير، أو الأعزب، وهناك مأكولات أو أطعمة خاصة بشهر رمضان، مثل (الحساء/ الشوربة) والعصائر (حيث شرط أن تكون منوعة وتحضر في البيت وأهمها النومي بصرة، والتمر هند، والزبيب وكلها مما يحتاج للتنقيع والاهتمام في الإعداد)، كما يقدم اللبن والتمر أول الإفطار، أيضا نجد العادات في توزيع السفرة على المائدة، وترتيب الجلوس ومكان الكبار في العائلة، والحرص على (اللمة) أي اجتماع العائلة التي يحرص كل فرد منها على الحضور ساعة الافطار، وطقس انتظار مدفع الإفطار، كل ذلك مع روح الحياة التي تدب في البيت وتعاون النسوة في التحضيرات مهما كانت القدرة المادية بسيطة.
 ويعود زامل للقول إن "بعض من هذه العادات غابت واستحدثت بأخرى جديدة، وسيرة هذا التراث الثقافي التي أعدها شفاهية تدوم بالتداول وتنقطع بالنسيان، وذلك الأمر يواجهه التراث في كل زمان ومكان، فهو محكوم بعاملين: الأول؛ الاستمرار فهناك عناصر منه تبقى تتجدد.
والثاني؛ التبدل وهو عناصر تتغير لعدم مناسبتها للحياة الجديدة فتتعدل بما يناسب الجديد. وذلك كله بسبب اساليب الحضارة التي تفرض نمطها في عالم متغير أبدا، وهذا السبب هو الذي أيقظ الرغبة لدى المهتمين بالاجتماع الإنساني وثقافته، وكان أول الاهتمام هو تدوين هذا التراث وأرشفته بدأ بالحكايات الشعبية ولم ينتهِ عندها". ويتابع "عُدّ هذا التراث هوية حاملة لمنظومة من القيم الخاصة بالجماعة أيما جماعة، هذه القيم تحرص الجماعة أن تتدفق للأجيال اللاحقة عبر تراثها تتركه لهم، فهو الذي يميزها وينظم علاقاتها في ما بينها ومع جوارها، ويعبر عن روح الجماعة وطريقة تفكيرها، ويغلب على هذا التراث النزعة الإنسانية في العموم لذلك تعود إليه الشعوب، ويحضر بوصفه هوية تعرض للآخرين، لذا تقدم البلدان بعض الاحتفالات من تراثها لضيوفها عند استقبالهم، بل جزء من تعرف الآخرين بك يكون عبر معرفة التراث الثقافي.. نعم أقر أن اليوم ومع وسائل التواصل في العالم يقفز نحو التشابه بثقافة معولمة كثيرا، ونحو الخصوصية قليلا لكن تقدم هذه الوسائل متاحات للتعريف بالتراث الثقافي الخاص، وليس العود له، فذلك أصبح صعبا، لكن مع دخول التنمية إلى التراث الثقافي، صار مسارا لكل الأمم وهو إعادة انتاج هذا التراث عبر الورش لغرض متحفي أو سياحي".
ويرى بعض آخر أننا ورغم التطور الذي نواجهه، فهناك عادات لا يمكن لها سوى أن تظهر في شهر الصيام، وهي تجسد الانتقال إلى مناخ مختلف، جو تسوده الروح الحميمية وتعزيز للتواصل بحسب الناقد والباحث الطيب محمد الذي يقول "يعيش العراقيون شهر رمضان المبارك بممارسة الكثير من الطقوس والموروثات الشعبية والاجتماعية، التي لا يزال تأثيرها واضحاً، لاسيما في بعض مناطق بغداد القديمة، ولعل لعبة المحيبس هي واحدة من أبرز الأنشطة الشعبية التي لا تزال تحظى بشعبية عالية، حتى أننا نشهد تجمعات غفيرة في الساحات والمقاهي بعد الإفطار لممارسة هذه اللعبة". ويضيف: ليست الالعاب التي تجمع العراقيون وحدها لا تزال تحافظ على قيمتها من هذه الممارسات لا، بل إقامة الموائد الخيرية وتبادل أطباق الفطور بين الجيران في داخل الأزقة والأحياء، بالإضافة إلى الجو الحميمي الذي تعيشه العائلات أثناء تبادل الزيارات وهذا لا يكاد ان يغيب المشهد الرمضاني.