فجر محمد
كلما حان دورها في إعداد وجبة الغداء، لا تكف الأم عن الصراخ بوجه ابنتها البكر، التي تقوم بالطبخ بإسراف وبذخ واضحين، ولكن حنين ترفض التعلم من والدتها، وتصر على وضع مواد كثيرة دون الرجوع إلى المقادير والوصفة التقليدية، التي تتبعها أمها وتصنع أصنافا متنوعة، وتقول أمها بغضب واضح على جهها: {حاولت مرارا وتكرارا أن أغير هذه العادة السيئة في ابنتي ولكن دون جدوى، وليس هذا فقط بل هي تعد أكلات مختلفة في كثير من الأحيان لا يمسها أحد وتظل كما هي في الطبق، ثم ترمى لاحقا}.
تشير التقارير المتداولة إلى وجود عدد من الدول، التي تتصف بالبذخ والتبذير ووضع العراق في قائمة تلك الدول، على الرغم من حلوله في الوقت ذاته بمرتبة متقدمة في ارتفاع نسب الفقر في العالم، وذلك بحسب تقرير نشرته مجلة غلوبال فاييننس مما يعني وجود تناقض حقيقي، فكيف يسرف أفراده وفي الوقت ذاته هناك من يتضور جوعا؟
غازاتٌ دفيئة
لا يكف العراقيون عن نصب موائد الطعام التي تمتلأ بالاصناف المتنوعة، ولا الاطباق التي تحتوي على مختلف الاكلات، ولكنها ليست بالعادة المحمودة كما تشير ام حنين، التي تحاول دائما أن تغير هذه الصفة التي توارثتها حنين من خالتها الكبرى، تحاول الأم دائما ان تفهم ابنتها ان الاقتصاد بالطعام لا يعني الامتناع تماما ولا البخل، ولكن هو أمر لا بدَّ من الاقتصاد فيه في ظل الظروف، التي تهدد الامن الغذائي بالعالم.
تثقف الامم المتحدة بشكل مستمر، بقضية الاهتمام بالطعام وإيقاف الهدر الذي يحصل فيه بسبب المشكلات الكبيرة التي تحدث نتيجة لهذا التصرف، ومنها الاضرار البيئية وامكانية زيادة الاحتباس الحراري والغازات الدفيئة.
نسبٌ كبيرة
تظن أمي انني استمتع بهدر الطعام، ولكني في كل مرة أشعر بالسوء والانزعاج عندما اجبر على رمي الاطعمة التي لم تؤكل بالكامل، هكذا عبرت حنين عما تقوم به كلما حان دورها في اعداد وجبة الغداء، وتقول: "عندما اقوم بغسل الاطباق، ورمي ما فيها أشعر بالانزعاج وأتذكر كم فرد في هذا العالم يتضور جوعا، بينما أقوم أنا برميه بيدي هاتين".
تبين أحدث البيانات ان الفرد العراقي يهدر تقريبا 120 كيلو غراما من الطعام سنويا، وهي نسبة تكفي لسد احتياج آلاف الافراد حول العالم. من جهته بين الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن هناك تراجعا في نسب الفقر في العامين المنصرمين، ولكن هناك هدرا كبيرا في الطعام، وبشكل ملحوظ.
ومن علامات الهدر الاخرى الكميات الكبيرة التي تترك على الموائد في اغلب المطاعم، والتي لايتم الاستفادة منها بشكل صحيح، وتعتقد مريم وليد التي تمتهن الطبخ وتسعى إلى تطوير ذاتها في هذا المجال، ان هناك ضرورة لتقنين استهلاك واعداد الاطعمة والمواد الغذائية. بل وتقنينه من أجل الحفاظ على هذه الثروة المهمة وديمومتها.
برامجُ مفيدة
تطرح عميدة كلية اقتصاديات الاعمال في جامعة النهرين الدكتورة نغم حسين نعمة مجموعة من البرامج، التي بامكانها المساهمة بتقليل الهدر، واتلاف المواد الغذائية، ومنها إعادة تدوير النفايات الغذائية وهي عملية تتضمن جمع ومعالجة وإعادة استخدام أو تحويل المواد الغذائية، والعضوية المهملة إلى منتجات ذات قيمة. والهدف من ذلك هو إبقاء مخلفات الطعام خارج المحارق، ومدافن النفايات قدر الإمكان لتقليل آثارها البيئية الضارة. ويمكن أن يتخذ أشكالًا مختلفة منها السماد، اذ تخضع النفايات العضوية، مثل فضلات المطبخ ونفايات الحدائق، إلى تحلل خاضع للرقابة لإنتاج سماد غني بالمغذيات. ويمكن تعزيز خصوبة التربة وإثرائها بإضافة السماد، فضلا عن تحويل تلك المواد إلى طاقة عن طريق الحرق أو العمليات الحرارية الأخرى. يستخدم هذا النهج محتوى الطاقة في المواد العضوية لتوليد الكهرباء أو الحرارة.
مشكلات البيئة
تتجلى صور الهدر بشكل واضح في موائد الطعام داخل المطاعم، فعلى سبيل المثال يعمل عامر رياض داخل أحد المطاعم، وينقل صورا متعددة عن الهدر الذي يحصل في الطعام قائلا: "هناك موائد يتركها اصحابها ولم ينهوا اطباقهم بعد، وفي الوقت ذاته يصعب الاستفادة مما تبقى بسبب الفوضى، التي يحدثها الزبون في الطبق المقدم، ودمجه أكثر من صنف داخل الطبق". لافتا إلى تخلص المطاعم من كميات لا يستهان بها من الطعام بشكل مستمر.
وتوضح العميدة الدكتورة نغم حسين نعمة أن هناك صورة اخرى من صور الاستفادة من نفايات الطعام المهدورة، وهي التحويل البيوكيميائي، حيث يستخدم التخمير والإنزيمات لتحويل مخلفات الطعام إلى منتجات حيوية مثل الوقود الحيوي والإنزيمات والأحماض العضوية. وتجدر الاشارة إلى أن هذه العملية تدعم الاقتصاد الدائري المستدام، من خلال إعادة استخدام المواد العضوية بكفاءة وتقليل التأثير البيئي، مشيرة إلى امكانية انتاج اعلاف حيوانية عن طريق إعادة استخدام النفايات الغذائية المعالجة، لصنع علف غني بالمغذيات للحيوانات بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة لإعادة تدوير المواد العضوية في الزراعة. ولا تقلل هذه الممارسة من الهدر والمساهمة في الاستخدام الدائري للموارد بل ايضا في تغذية و تربية الماشية.
كما تساعد إعادة تدوير مخلفات الطعام على معالجة المشكلات البيئية المرتبطة بمدافن النفايات، مثل إطلاق الغازات الدفيئة من المواد العضوية المتحللة. وتحويل النفايات إلى موارد قيمة. غالبًا ما تتضمن الجهود المبذولة لتعزيز إعادة تدوير النفايات الغذائية حملات توعية عامة، وتدخلات سياسية، وتنفيذ البنية التحتية لإدارة النفايات لدعم هذه الممارسات المستدامة.