بغداد .. دبلوماسية الوساطات بين طهران وواشنطن

آراء 2019/05/30
...

صادق كاظم 
 
 

للوضع العراقي خصوصية مميزة فيما يخص التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وايران فهو دولة الاقرب جغرافيا الى ايران وفيه ايضا قواعد عسكرية امريكية وفق اتفاقيات رسمية بذلك وهناك تنافر عدائي بين طهران وواشنطن له بعد سياسي منذ العام 1979 ,حيث ان الرئيس ترامب يخوض ويدشن لمعركة اقتصادية صعبة على الايرانيين وصلت الى حد تجفيف مصادر الدخل الايراني الوطني من خلال التلويح بفرض عقوبات اقتصادية على اي بلد في العالم يقوم بشراء النفط والغاز الايراني مما يعني تجويعا وافقارا للشعب الايراني . الحرب وتصاعد لغة الخطابات والتهديدات بين الايرانيين والامريكيين اخذت بغداد تتوجس منها وتخشى من تداعياتها ,خصوصا وانها تملك علاقات ومصالح متبادلة مع كلا البلدين واندلاع اية نزاعات او حروب مسلحة بين الطرفين سيجعل من العراق مسرحا حتميا لها .
العراقيون ومن باب الحفاظ على الامن والاستقرار في المنطقة وتجنبا لحدوث اية عواقب قد تنتج عن هذا التصادم اخذوا يبادرون لعرض وساطات تجمع بين الايرانيين والامريكيين حتى وان كانت بشكل غير مباشر من اجل نزع فتيل التوتر ,حيث ان الحوار والمفاوضات هي وحدها من تتكفل بالتهدئة وتجنب النزاعات.
بغداد سبق لها ان ادارت ورعت مفاوضات مباشرة بين الايرانيين والامريكيين في العام 2008 قادت الى تفاهمات بشان العديد من الملفات العالقة والتي كان العراق واحدا من المتاثرين بها وهو ما انعكس ايجابا على الوضع العراقي ككل ,وخصوصا في مجال محاربة الارهاب ,حيث تبادل المسؤولون الايرانيون والامريكيون باعترافاتهم شخصيا معلومات تخص التنظيمات الارهاية المسلحة العاملة على الارض العراقية مكنت القوات الامريكية والعراقية من قتل اعداد كبيرة من هؤلاء الارهابيين والقضاء عليهم وعودة الامان والاستقرار في البلاد بشكل عام .
دول الخليج التي يمتلك بعضها قواعد امريكية قريبة من ايران تخشى هي الاخرى من امكانية نشوب صراع مسلح لن تسلم منه بالتاكيد وحتما انها ستعاني منه ,خصوصا وان ايران تملك ترسانة ضخمة من الصواريخ باستطاعتها تدمير اية منشات او اهداف داخل اراضي تلك الدول وهو ما يفسر سعي البعض منها لنقل رسائل بين الايرانيين والامريكيين والقيام بادوار الوساطة بينهما .
مشكلة النزاع الايراني الامريكي انه نزاع معقد وياخذ طابعا ايديولوجيا من قبل الايرانيين الذين يرفضون وبشدة اية محاولات لتحسين العلاقات ,حيث ان الايرانيين لديهم اسبابهم ومخاوفهم من التقارب الامريكي معهم ,خصوصا وان واشنطن تناصب العداء لنظام الحكم في ايران وهي لا تتفق مع الايرانيين فيما يخص العديد من الملفات السياسية في المنطقة ,فضلا عن اعتراضاتها على برامج التسلح الايرانية وخصوصا الصاروخية منها وحتى الاتفاق النووي الاخير الذي حصلت موافقة واشنطن عليه انسحبت منه ووجد ترامب عدة ذرائع ليبرر انسحابه منه وهو ما شكل بداية التوتر وارتفاع مناسيب التصعيد بين واشنطن وطهران ,اضافة الى محاولات ترامب لتاسيس حلف عسكري شرق اوسطي ذي طابع طائفي لتطويق ايران ومحاصرتها من جميع الجهات .
نقاط التباعد والتخاصم العديدة ,فضلا عن الملفات المعقدة والشائكة بين بين الطرفين لا توفر اية فرص كبيرة للنجاح في اية وساطات بين الدولتين ويعاني الوسطاء صعوبات كبيرة لاقناع كل طرف بضرورة التخلي عن افكاره مواقفه العدائية الجاهزة احدهما تجاه الاخر ,لكن هذا لا يعني ان الايرانيين والامريكيين يرغبان بخوض الحرب في اقرب فرصة ,اذ انهما يبذلان اقصى الجهود من اجل التهدئة وتبادل الرسائل المباشرة عبر الوسطاء السريين وهو امر تتمناه جميع دول المنطقة بضمنها العراق .
ترامب يفتش عن انجاز اعلامي وهو ما يفسر خطاباته المتكررة للايرانيين بالاستجابة لدعواته لعقد قمة مع الرئيس روحاني شبيهة بقمته مع الرئيس الكوري الشمالي التي لم تثمر عن شيء يذكر حتى الان .
بغداد فتحت ابوابها ومنذ بداية الازمة  لكل من المسؤولين الامريكيين والايرانيين واستقبلت عددا منهم وهناك حديث عن وجود عدة قنوات سرية للحوار، بغداد من بينها وهي محقة في ذلك وهي تعكس قناعة ضرورية بان امن واستقرار المنطقة مهم ليس لدول المنطقة ,بل للعالم ,حيث ان منطقة الخليج تعد اكبر مجهز للنفط الذي تعتمد عليه اضخم الاقتصاديات العالمية واية نزاعات او حروب ستلحق افدح الخسائر بها ,فضلا عن الخسائر البشرية والمادية الضخمة التي قد تلحق باطراف الصراع ودول المنطقة .
نزع فتيل الحرب ليس هدفا عراقيا فحسب ,بل هدف يسعى اليه الجميع ,لكنه يحتاج الى جهد وتعاون دولي واقليمي مكثف من اجل تطويق النزاع وتقنينه وفتح نوافذ دبلوماسية متعددة تؤدي الى تبريد النزاع وعدم تصعيده وبلوغه نقطة الانفجار.