أحمد علي هلال: الأدب هوية إنسانيَّة تتخطى حدود التجنيس
هويدا محمد مصطفى
يعمل الناقد أحمد علي هلال في حقل النقد الثقافي والانفتاح على تحرير لغة النقد من الرتابة والتعقيد، حيث تختلف الرؤى النقدية بكل ما تتعلق من مرجعية فكرية وثقافية من ناقد إلى آخر، لذا يلجأ هلال للتطبيق عبر خصوصية ودلالة النص. إذ يعتبر أن النص هو من يأخذنا إليه. وحاليا يستعد هلال، وهو مقرر جمعية الدراسات والبحوث والنقد في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينين، وعضو مجلس أمناء أكاديمية دار الثقافة والمسؤول الثقافي في مركز الدراسات الفلسطينية.
*من هو الكاتب والناقد أحمد هلال، وماذا تحدثنا عن كتبك النقدية؟
-لعل من أصعب الأمور، بل أكثرها حساسية أن يتكلم الناقد عن ذاته، وأن يشرح كيف تدرج وعيه النقدي من خلال علاقته بالأدب والنظرية الأدبية، ومن خلال علاقته المباشرة مع الأجناس الإبداعية المختلفة، خشية أن يُحمل الأمر على شيء من الغرور أو نقيضه، لكن ذلك كله لا يمنع في لحظة المكاشفة مع الذات –وهي لحظة يتوق إليها القارئ- ليتعرف أكثر جوانب شخصية ما بعينها، بوصفها تشكل له حافزاً للقراءة وللمعرفة وللثقافة، فقد ابتدأت علاقتي بالإبداع منذ محاولات كتابة قصيدة النثر دون الادعاء بأن هذه القصيدة التي كتبتها في زمن ما، ستمثل أنموذجاً لقصيدة النثر، بمعنى آخر كان ثمة انخطافات إلى اللغة وبيانها وبلاغتها، هي ما حملت قلمي على أن يذهب لترجمة كوامن وخلجات هي الأقرب إلى توقيعات ذاتي العاشقة للغة، ولتشكيل رؤية من العالم، مع الوقت دخلت إلى عوالم القصة القصيرة وكتبت الكثير منها وأكثر طُبع ضمن مجموعات قصصية صدرت عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ومؤخراً صدرت في كتاب الذي أصدره اتحاد الكتاب العرب بعنوان (حكايات أثيرة) وبلغت زهاء عشرين قصة، قامت على محاكاة الحرب واستنهاض الإبداع في بطولات المقاومين والشهداء.
لكنني وبعد العديد من البرهات التأملية ومن خلال قراءتي للنقد دراسة ومنهجاً، وهذا كان مبكراً جداً سبق علاقتي بالشعر والقصة، الشعر الذي نشر أغلبه في جريدة السفير اللبنانية أوائل التسعينيات، وجدت أن أعلى الأصوات لدي كان صوت الناقد الذي يُفتن بتحليل النصوص وتركيبها، والولع بالذهاب إلى دلالاتها فناً وعلماً، وهذا سعيت لأمتلك شيئاً من الفرادة - كما أزعم- والخصوصية في مقاربة الأعمال الأدبية وذلك من خلال عملي في كبرى المؤسسات الثقافية سواء في سورية أو لبنان، وهو ما جعلني احتك مباشرة مع رموز ثقافية كثيرة لكن دون أن أعلن هويتي النقدية لأضع مخطوطاتي الأولى في هذا الاتجاه، ومنها الذي يؤسس لفهم النقد عبر قراءة النتاجات والاستفادة قدر الإمكان من النظريات النقدية في العالم التي أواكبها بشكل حثيث، فمن المخطوطات كان النقد العربي من الانجاز إلى التنظير، وفي نقد الأدب النسوي، واشتعالات المعنى في الثقافة والنقد والإبداع، لكن لسوء حظي مع وقائع الحرب الضروس التي فُرضت على بلدنا سورية، ونتيجة لتهجيري من منزلي كما مئات الناس، فقدت تلك المخطوطات ولم أستطع استرجاعها لأعود لذاكرتي وأشرع في رواية سيرية أوشك على الانتهاء منها، وكتاب آخر اشتعالات المعنى الذي ينتظر الطباعة، لكنني أيضاً لم أتوقف عن كتابة المقالات النقدية في المجلات المتخصصة فضلاً عن الصحافة الثقافية منذ نهاية الثمانينات وإلى الآن.
*هل هناك خصوصية تميز الأدب النسوي عن غيره، وماهي الأدوات البلاغية المستخدمة، وهل مازال الأدب النسوي في قفص
التجريب؟
-منذ أثير الأدب النسوي ومعه النسوية وظهور المصطلح لأول مرة في اللغة الانكليزية، أثيرت اشكاليات عدة لهذه الكتابة لم تستنفد إلى الآن في راهنيتنا الإبداعية، لا سيما على الساحة الثقافية والنقدية، وليس الأمر يتعلل بغياب الحسم في هذا الموضوع الشائك والمثير، بل أكثر من ذلك صعوبة توظيف هذا المصطلح الذي تعرض للكثير من الفوضى والتنظير، وربما لغايات أبعد من قراءة موضوعية لما تكتبه المرأة، وخصوصية ما تكتب على الرغم من أنني أجدني لا أستطيع الفصل بين ما تكتبه المرأة ويكتبه الرجل، لأن الابداع في النهاية هو هوية إنسانية، لكن خصوصية ما تكتب المرأة هو صوتها وحساسيتها وأدواتها البلاغية، التي تسعى إلى كسر النمط السائد عنها، بعيداً عن الثنائية الضدية (أنثى ذكر) وبعيداً عن الثقافة الفحولية بوصفها مضمراً نسقياً في الثقافة العربية، ولعلي استذكر موقف الناقدة والأكاديمية اللبنانية د. يمنى العيد التي تقول: "أميل إلى الاعتقاد بأن مصطلح الأدب النسائي، يفيد عن معنى الاهتمام وإعادة الاعتبار إلى نتاج المرأة العربية الأدبي، وليس عن مفهوم ثنائي أنثوي – ذكوري، يضع هذا النتاج في علاقة اختلاف ضدي تناقضي، مع نتاج الرجل الأدبي".
فغاية الأمر هو ماهية الخطاب الإبداعي للمرأة، وليس جنسها وصولاً إلى استخلاص مكونات خارج ميزيولوجيتها، أي مكونات إبداعية تستقرئ خطابها المضاد، وعليه قام النقد النسوي انطلاقاً من نظرية المعرفة لقراءة هذا الإبداع النسوي على تباين مواقفه منه، وعلى الجهر بعلامته الفارقة، ادلل على ذلك بكتاب د. بثينة شعبان "مائة عام من الرواية
النسوية".
فلا يمكن في هذا السياق أن نعتبر ما اصطلح عليه بالأدب النسوي هو في قفص التجريب، بل يمكن اعتبار أن التجريب سمة تطاول ما يكتبه المبدعون جميعاً بصرف النظر عن أجناسهم، فهو تجريب مارسه المبدعون وبخصوصياتهم الفردية، لكنها المندغمة في نسيج وعي جمعي يتوسل تجديد اللغة وعلى مستوى ما تكتبه المرأة كان البحث أكثر في قدراتها الإبداعية في مواجهة ما لحق بها من ظلم.
وعليه فإن الأدوات البلاغية التي حملها خطاب المرأة المضاد، نزعت إلى "كسر تقاليد البنى الأدبية وقواعدها، تجديد اللغة وتفكيك تراكيبها البلاغية الجامدة"، أي التحديث بوعي سوف يتراكم في ما تبدعه المرأة أسماء وأجيال وعلامات لا حصر لها راهناً، وربما نتعلل هنا بمثال يحيلنا إلى ما فعلته نازك الملائكة حينما ذهبت من شعرية الوزن والقافية إلى شعرية الايقاع، وهذا يعني في السياقات التاريخية التي حملت خطاب المرأة الإبداعي الوقوف عند خصوصية الصوت وتصاديات الأنا، بعيداً أيضاً عما وقر من تأنيث اللغة وتأنيث الفكرة، إلى فهم أكثر للاستراتيجيات البنائية التي قام عليها إبداع المرأة مع تحفظ باختزال الإبداع إلى امرأة أو رجل مرة أخرى، وثمة فرق ما بين تجريب ينتهي إلى تخريب بعينه، وبين تجريب عالٍ يأخذنا إلى كشوفات اللغة الثرية، وهذه الحقيقة تنطبق على ما يكتبه الرجل والمرأة في آن، وبفهم أعمق للاشكاليات البلاغية التي تحدثها النصوص وتتقاطع فيها الأصوات، بمعنى قد لا نحزر على نص كتبته امرأة أو كتبه رجل، لطالما أن الاثنين يمنحان من ثقافة واحدة، مع إدراك لخصوصيتهما وفرادة كل منهما في تشكل الثقافة بشكل عام.
*هل هناك أدب متمرد كأدب السجون، وهل هو مختلف عن بقية الأدوات الأدبي؟
-أدب السجون تعبير ملتبس جداً، صح أنه ينزع إلى فضاء إنساني ولكي نحرر المعنى فيه وفي متعالياته النصية، سنصطلح عليه بأدب الحرية لا سيما فيما يكتبه الأسرى داخل الاحتلال الصهيوني، ويبدعون فيه ويتفردون بأصواتهم داخل زنازينهم، بهذا تُكتسب صفة التمرد شرعيتها ونستمر في تأويل ما يُنتج بلحظاته الإنسانية الفارقة وبوصفه الأحدث أدب الحياة، وعلى سبيل المثال رواية الكاتب الأسير الفلسطيني سائد سلامة "العاصي"، وأيضاً المجموعة الشعرية "خلل طفيف في السفرجل" لـ الكاتب الأسير أحمد عارضة، إذ نقف بكثير من الانتباه أمام هذين العملين، وغيرهما الكثير مما يُنتج ويُطبع خارج الأرض
المحتلة.
*ماهي الأدوات البلاغية المستخدمة في الأدب النسوي بشكل خاص والأدب بكل أشكاله بشكل عام؟
-إن ما ينبغي التأكيد عليه ليس فقط الوقوف عند أسئلة الذات والعالم والآخر، تلك الأقانيم التي وسمت الأدب النسوي والأدب بشكل عام، أو فقدان الذات وتوسل الجهر بتفكيك الثقافة الفحولية داخل أنساق الثقافة العربية، على الرغم من أننا لا نعدم على مستوى البلاغة الجماليات الخاصة، التي ميزت إبداعات كثيرة وحملتها بوساطة اللغة إلى آفاق الفن الخالد، هو سؤال الهوية والأسلوب وكيفيات التعبير بوساطة الرؤيا عن مكابدات الإنسان العربي على المستوى الفكري والاجتماعي، وتبقى الخيارات الفنية في مدى انجازها للمعادل البلاغي الذي تنهض عليه الأشكال الإبداعية، لنخلص القول بأن الأدب ذو هوية إنسانية تتخطى حدود التجنيس، لتعطي للهوية غير محمول وتمنح اللغة شرط
بقائها.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة