المتنبِّي والإشكاليات المتجددة

ثقافة 2024/04/02
...

   وجدان عبدالعزيز


صدر كتاب (ابوالطيب المتنبي/ اشكالية النسب والسيرة) للكاتب احمد الشطري عن دار الورشة للطباعة والنشر/ الطبعة الاولى 2024م والكتاب محاولة أخرى في كشوفات النسب والسيرة للمتنبي، وهنا تعكز الباحث في كثير من دراسته على الروايات، وهي كثيرة وتغني أي باحث، لكنه لم يكتفِ بها فقط، إنما حاول دراسة بعض أشعاره في إشكالية النسب والسيرة، والنتيجة أنّه أبقى على الاحتمالية قائمة في هذه الإشكالية، ومن خلال الأطروحات الكثيرة، حيث تحدث الباحث الشطري قائلا: (فوجدت ان بعض ما طرح يتفق مع رؤيتي وتحليلي لشخصية المتنبي من خلال ما افترضت صحته من بعض ما ورد في الروايات وما يمكن ان يُستشف من شعره، اما البعض الآخر ان فيه من التأويل الذي لا ينسجم مع الصورة التي تظهر امامنا لشخصية المتنبي)، وهكذا يبقى الشك والظن مستمرا، والاحتمالية قائمة من عدم الوصول الى اليقين القطعي. وانقسم الكتاب الى ثلاثة فصول، كان الأول قد تناول المصادر الاولى تقدمها تمهيد كان بمثابة تبرير لتسامق المتنبي وفخره بنفسه، جعل هذا سببا لظهور الـ (أنا) عنده، حتى أصبحت (هي إحدى مكونات شخصيته الإشكالية)، ورغم هذا بقي مقرباً من الامراء والملوك، حيث كثر حساده ومنافسوه، وثبت هذا الباحث الشطري بالكثير من المصادر القديمة المهمة والمراجع الحديثة، وكانت الاتهامات كثيرة منها التكسب في الشعر (غير انه بقي شامخا حتى آخر حياته، لم تنل منه سهام الحقد والحسد، ولم تقلل من هيبته مزاعم المغرضين، وقيل: انه لما زار ابن بويه ـ وهو حينئذٍ يتحكم بدولة المسلمين وخليفتها ـ اشترط عليه أن لا يقبل الأرض بين يديه ولا ينشده إلا جالسا، فقبل الشرط)، واورد الباحث الشطري بعضا من شعره وهو يفخر بنفسه.

وقيل الكثير عن نسبه (وجاء في وفيات الاعيان لابن خلكان ت(681هـ): انه "ابو الطيب المتنبي احمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي... وقيل هو احمد بن الحسين بن مرة بن عبدالجبار)، (والملاحظ ان اغلب المصادر ان لم نقل جميعها اتفقت على ان اسم والده الحسين، فيما ذكرت بعضها انه جعفي، وان معظم الخلاف كان في اسم جده وما علاه، والقول ان مهنة والده (سقاء)، ناهيك عن ادعاء المتنبي نفسه انه علوي النسب.. حيث ولد بالكوفة عام 303هـ (وفي وفيات الاعيان وهو من اهل الكوفة، وقدم الشام في صباه وجال في اقطاره)، (ولم تذكر المصادر شيئا عن والدة المتنبي، بل ان جل الذكر كان لجدته ونسبها وخصالها، حيث كانت همدانية صحيحة النسب كما ذكرت ذلك المصادر.. وقال عنها المتنبي: بنت اشرف والد)، وسمي المتنبي كما ذكر ابن كثير وغيره ايضاً "انه ادعى أنّه نبي يوحى اليه"، وقال المتنبي تنبأت على الشعراء.

وذكر الباحث الشطري تبريرا لتسميته قائلاً: (والظاهر ان هذا اللقب قد لحقه بعد ان سُجن في الشام بسبب ما قيل من ادعائه علوي)، وقد فض الباحث الشطري النزاع بان اتفق مع الاستاذ عبد الغني الملاح (وهو بهذا الافتراض يستند الى استنتاجات توصل اليها من خلال تطبيق نظريات رياضية ونفسية وتساؤلات فكرية واجتماعية وتفسيرات لنصوص شعرية للشاعر، فهل اعانت هذه النظريات الباحث الملاح في الوصول الى الحقيقة أو الاقتراب منها، أم ان مخيلته شطت به فابتعد عن الحقيقة اكثر مما يجب؟)، ونحن مع الباحث الشطري وغيره في طرح عدة تساؤلات منها هل والد المتنبي رجل تافة مثلا، أو كان هاربا عن العدالة، أم كان صاحب قضية..؟، ثم اسقط التفاهة عن والد المتنبي وكذا انه هارب من العدالة، وبقيت الثالثة ان أبا المتنبي كان مهما، وعزا هذا الى قوة شخصية المتنبي وكل هذا جاء من خلال دراسة اشعاره.. وهذه مباحث قد استوفى الباحث الشطري ذكرها في كتابه، ومؤكد تبقى مجرد اراء لم يتبين البت فيها، ولم يتفق الباحث الشطري مع اراء الاستاذ محمود محمد شاكر وأضيف أنا القارئ كونها غير واقعية، أو قد لا تتوافق مع التحليلات الشعرية، لهذا نستطيع القول فيها بعيدة عن حقيقة حياة المتنبي.. وأورد في الفصل الأخير المبالغة المفرطة في مدائحه، وجعل الباحث الشطري هذه المبالغة قرينة لمبالغته في مدح نفسه، ويبقى المتنبي متجددا في الدراسات عن مجمل سيرته الشخصية وإبداعه الشعري، وتبقى التساؤلات متوالدة في محراب ابداعه الشعري، ناهيك عن غرابة الحياة التي عاشها، انه ابن سقى ماء ويدرس في مدارس العلويين وهي مدارس لا يدخلها إلا  ذو جاه ومن عِلية القوم.