بغداد: هدى العزاوي
تُعدّ بغداد محوراً رئيساً في أزمة الكهرباء المستمرة منذ سنوات، إذ يصل استهلاك العاصمة إلى ما يقارب 45 % من الإنتاج الإجمالي للطاقة في البلاد، وبتفحص هذه الأرقام بعناية، نجد أنَّ نسبة تقارب 60 % منها تذهب لأغراض التكييف، ما دعا مختصين إلى طرح حلول مبتكرة للقضاء على الهدر والإسراف الذي يمارسه المواطن والذي يؤدي إلى استمرار أزمة الكهرباء، ومن بين تلك الحلول إلزام شركات البناء تشييد بناياتها وفق أنظمة بيئية محددة وكذلك الاستغناء عن رصف المقرنص في جزرات الشوارع بنباتات ظلية تساعد على خفض درجات الحرارة.
وبيّن رئيس مؤسسة "أصول" للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، خالد الجابري، في حديث لـ"الصباح"، أنَّ "الأرقام تظهر أنَّ الهدر في استهلاك الطاقة يتمثل أساساً في استخدام أنظمة التكييف، وهناك أسباب رئيسة وراء ذلك، بما في ذلك سوء جودة البناء وقلّة الرقابة من قبل الجهات المختصة، والسماح باستمرار وجود الانقسامات الكثيرة في وحدات السكن، مما يزيد من الطلب على التبريد."
وأضاف أنه "لو تم ضبط عمليات البناء والموافقات والإجازات، فإنَّ الطلب على الطاقة سينخفض، مما يقلل من الضغط على عمليات التوليد"، وأوضح أنَّ "أمانة بغداد- باعتبارها الجهة الرسمية في المراقبة وإصدار الإجازات والأنظمة- لا تزال بحاجة إلى مزيد من المراقبة المستمرة والاعتماد أكثر على المكاتب الاستشارية واستخدام نماذج معتمدة في شركات البناء وترك فوضى البناء الموجودة حالياً، وذلك لضمان تنفيذ الأنظمة المعيارية اللازمة للحفاظ على الحرارة ومنع تسريبها من خلال الجدران والنوافذ المعزولة بشكل تام".
وتابع أنَّ "من الضروري أن ندرك أنَّ كل منزل جديد يشجع على استهلاك الطاقة الكهربائية، ومع استمرار هذه العملية، ستجد وزارة الكهرباء نفسها في حاجة ماسة إلى التوسع في عمليات التوليد"، ورأى الجابري أنَّ "سوء تشجير الشوارع وتأثيثها من حيث الأشجار الظلية التي تولد غطاء ظلياً يساعد على تقليل حرارة الشارع المعكوسة على المباني؛ من شأنه أن يزيد من طلب التكييف ويكون سبباً رئيساً في توليد ظاهرة الجزر الحرارية التي تنقل جو المدينة من البيئة الحضرية إلى البيئة الصحراوية"، مطالباً "أمانة بغداد بالالتفات إلى هذا الموضوع وعدم زراعة النخيل داخل الجزرات الوسطية أو رصفها بالمقرنص وإنما اعتماد أشجار (الألبيزيا) النوع الأول أو الثاني أو (الأكاسيا) بجميع أنواعها لغرض رفع السقف الظلي في مدينة بغداد، والغرض الرئيس من ذلك تقليل استهلاك الطاقة".
وأشار الجابري إلى أنه "من هنا، يتعين علينا التحرك نحو الحلول الفعالة منها، فضلاً عن تحديد معايير صديقة للبيئة لجميع المباني والتي تثبت فعاليتها في الحفاظ على الطاقة"، وأضاف أنه "من الضروري أيضاً توجيه الشركات التنفيذية لتبني المباني الصديقة للبيئة واستخدام تقنيات تقلل من الاستهلاك الكهربائي"، موضحاً أنه "بهذه الخطوات، يمكن للعراق أن يتقدم نحو تحقيق أهدافه في الاستدامة البيئية والتخفيف من الضغط على النظام الكهربائي، وبالتالي تحسين جودة الحياة للمواطنين وتعزيز التنمية المستدامة في البلاد."
من جانبه، قال رئيس "المركز الإقليمي للدراسات" علي الصاحب، في حديث لـ"الصباح": إنَّ "العراق يعاني أزمة حقيقية في قطاع الكهرباء، رغم كمية الأموال التي صرفت على الإنتاج وحتى الاستيراد، وأيضاً هناك نقص حاد في كمية المياه الموجودة والداخلة إلى العراق".
وبيّن أنه "مع تفاقم الأزمتين وتنامي الحاجة لهما نشهد في نفس الوقت تجاوزاً وهدراً كبيرين على الشبكتين (الماء والكهرباء) وهما بالحقيقة عصب الحياة للمواطن، لكن سوء الاستخدام وعدم الشعور بالمسؤولية- إنَّ لم نقل الوطنية- أديا إلى تراجع المنظومة الكهربائية في ساعات التجهيز، إضافة إلى الشح في المياه الذي أثر سلباً في حياة المواطن".
وأكد أنه "ليس من الإنصاف أن نضع اللوم كله على مؤسسات الدولة- وإن كانت هي المسؤولة الأولى عن التجهيز- فترشيد الطاقة الكهربائية وعدم الإفراط في استخدام الماء يتحملهما المواطن الذي تراجع عنده الشعور بالواجب تجاه الكثير من مفاصل
الحياة".
وأشار الصاحب إلى أنَّ "الترشيد في الاستهلاك يتناسب طردياً مع الخدمة المقدمة من الدولة في تحقيق ضروريات المواطن، فالماء والكهرباء هما عصب الحياة لذلك فالمحافظة على سلامة الشبكات وعدم الإسراف في استخدامها واجب شرعي وأخلاقي لا يفترض التفريط فيه تحت أي مسمى أو عنوان".
تحرير: محمد الأنصاري