ماتاريكي رأس السنة الماوريَّة

ثقافة 2024/04/03
...

 باســـــم فـرات

 كثير من الشعوب لديها تقويمها الخاص، وتحتفل برأس السنة بحسب تقويمها، ولا يَخفى ظهور هوس التقاويم مؤخـرًا، وجعل التقويم القومي أو الإثني يمتد لآلاف السنين، وبعضهم جعله يزيد على ستة آلاف عام، وهي تقاويم لا صحة لتاريخيتها في أغلب الأحيان، فلم يكن الإنسان الشفاهي بل حتى التدويني يحفل بالتاريخ ودقة الأرقام، إنما الناس تنظر إلى القمر فتعرف هي في أيّ يوم في الشهر تقريبًا، ويهمهم من القمر والشمس والفصول والأيام ما يدخل في معاشهم من زراعة وتجارة، ولم يكن الإنسان يملك الوعي لأرخنة تاريخه قبل آلاف السنين، أو حتى معرفة عدد سِنيِّ عمره، بينما نقرأ اليوم رأس السنة “الفلانية” مع وضع رقم يقترب أو يزيد على الستة آلاف عام على الأغلب.

هوس التقاويم العريقة، بآلافها العديدة، هو جزء من عملية بناء سردية تستقي موادها من الأوهام والتلفيق والتزوير ومزاعم الـمظلومية وشيطنة الآخر، وخلق تاريخ عريق والاستيلاء على حضارات وممالك وإمبراطوريات ظهرت على مسرح التاريخ قبل آلاف السنين ونسبها لهم فقط. إنَّ الـمخيّلة الجمعية التي خلقت لنا أساطير وملاحم في الـماضي، تمارس اليوم خلق الكراهية بين الشعوب، من خلال استيهامات بعض نخبها.

بدايات التقويم الـماوري تعود إلى الإله الأب إله السماء “رانغِنُوي” والإلهة الأم إلهة الأرض “باباتو آنوكو”، حين تم فصلهما من قبل ابنهما “تانه ماهوتا”، وقد أغضب هذا الفعل شقيقه إله الطقس والرياح “تافيري ماتَـيا” الذي قاد معارك ضد إخوته انتصر فيها جميعًا، باستثناء معركته مع شقيقه إله الحرب والإنسانية “توماتَوَنْغا” التي خسرها فاستبد به الغضب، وقام بقلعِ عينيه وتهَشيمهما بيديه ورميهما إلى السماء، فالتصقت بصدر أبيه “رانغِـنُـوي”، أي بَـقِــيَـتا في السماء لتتشكل منهما نجوم الثريا “ ماتاريكي” السبع أو التسع بحسب القبائل الـماورية، وكل نجمة أصبحت تمثل شيئًا ما في الأرض، مثلًا نجمة “تيبو آ نوكو” تمثل الطعام الذي ينمو تحت الأرض مثل البطاطا الحلوة “كومَرا”، أما “تيـبُوارانغي” فتمثل الطعام الذي ينمو فوق الأرض مثل التوت، والطيور التي تُـعَدّ بحسب الثقافة الـماورية من ضمن الطعام الذي ينمو فوق الأرض، لأنَّ غذاءها في الغالب الأعم مما هو فوق الأرض مثل فواكه الأشجار ورحيق الأزهار.
و”ماتاريكي” تمثل الأم التي تعطي التعليمات. و”أُرورانغي” نجمة الرياح وتسخيرها والملاحة وكيف تجد طريقك. ونجمة “وايتي” تمثل المياه العذبة، مثل الأنهار والينابيع والجداول والترع والبحيرات. وأما “بوهوتوكاوا” فهي النجمة التي تقود الـموتى ليعبروا سماء الليل. في حين أنَّ “وايبونارانغي” تمثل نجمة الـمطر. و”هيوا إتَ رانغي” النجمة التي تحتفظ بأمنياتنا وأحلامنا، أي حين نتمنى أو نحلم أن نحقق أمنية نتوجّه لـ”هيوا إتَرانغي” لأنها الـمسؤولة عن هذا الأمر. والنجمة الأخيرة في مجموعة الثريا هي “وايْـــتا” نجمة المياه الـمالحة (الـمحيطات). هذه هي مجموعة الثريا بحسب العقائد الـماورية، وأقول العقائد لأنهم يرفضون مصطلح الأساطير “الـميثولوجيا”، وأما الـماوريون الذين ينظرون للأمر نظرة الأوروبيين، فهم من ذوي الثقافة الأوربية- البريطانية، الذين هُم، بحسب ما أرى، ضحايا الإبادة الثقافية.

يرتبط ماتاريكي أو يتصل بالنجوم حول العالم، ولكل ثقافة تسميتها للنجوم أو لمجموعة النجوم، فمجموعة نجوم الثريا تُسمى بالـماورية “ماتاريكي”، وفي جزر كوك، ولغتهم قريبة للغاية للغة الـماورية، لذا نجد التسمية واحدة أي “ماتاريكي”، وفي تاهيتي تسمى “ماتارِئي”، وفي هاوايي التسمية “ماكاليي”، وعند الأبوروجينيين سكان أُستراليا الأصليين، فالتسمية هي “كاراتغورك”، وفي اليابانية تُسمى “سوبارو”، في حين في الصين تُسمى “ماو”، وفي الهند “كريتيكا”، وفي الجزء الجنوبي من إفريقيا تُسمى “إِسيليمَلا”. هذه بعض تسميات نجوم الثريا أو الأخوات السبع أو التقويم الـمحلي في مجموعة من الثقافات الـمختلفة.

كان الاحتفال برأس السنة الـماورية (الـماتاريكي) يمارس على نطاق واسع بين الـماوريين حتى أربعينيات القَرن العشرين، حين بدأت الهجرة من الريف إلى الـمدينة، وضعفت العلاقة بين الـماوريين أبناء المدن والـماتاريكي. لكن عدّ السنة الـماورية عطلة رسمية في البلاد، له معانٍ عميقة، كذلك يدلّ على أنَّ هذه البلاد التي كُتب في نظامها الأساس “الدستور” أنها ثنائية الثقافة، ماورية وبريطانية، كانت وعلى امتداد أكثر من 150 عامًا تَكاد تكون بريطانية بالكامل، قد تمّ إحياء الاحتفال مرة أخرى ليس بين الـماوريين فقط، بل في عموم البلاد، التي تحاول خلق هوية تتبنى الثقافة الـماورية بوصفها خصوصية وطنية.

في التسعينيات صارت بعض الـمفردات الـماورية تتسلل للإعلام والأحاديث العامة، وبمرور الزمن زاد الأمر كثيرًا حتى تُوّج في عام 2021، حين تم إقرار رأس السنة الـماورية عطلة رسمية مثلها مثل يوم الخامس والعشرين من كانون الأول- عيد ميلاد السيد الـمسيح- والأول من شهر كانون الثاني رأس السنة الميلادية الشمسية. ولأنَّ التقويم الـماوري تقويم قمريّ، فإنَّ رأس السنة يكون في الشتاء أي ما بين شهري حزيران وتموز- حيث فصول النصف الجنوبي من خط الاستواء عكس فصول النصف الشمالي، ومدتها 354 يومًا، مثلها مثل السنة الهجرية، وكل ثلاث سنوات يضيفون شهرًا إضافيًّا، ليبقى التقويم الـماوري مقاربًا للشمسي، ويبدأ الاحتفال الـماوري برأس السنة، عند ظهور نجوم الثريا، التي يمكن رؤيتها على امتداد سبعة أو ثمانية أيام في العام، ما بين العشرين من شهر حزيران، وحتى التاسع عشر من شهر تموز على الأغلب.

أسماء الأشهر القمرية في الثقافة الـماورية

بيبيري- حزيران، وهو الشهر الأول في السنة الـماورية.
هوُنغُـنوغوُيْ أو بلفظ آخر “هوُنوُنوُي”- تموز
هَـرَتوريكوُكا- آب
ماهورو- أيلول
فيرينغا-آ-نوكو- تشرين الأول
فيرينغا-آ-رانغي- تشرين الثاني
هاكيهيا- كانون الأول
كوُهيتاتِيا- كانون الثاني
هويْتانغورو- شُباط
بُوُتوتَرانغي- آذار
بايَنغافافا- نيسان
هاراتُوا- أيار، وهو الشهر الثاني عشر في السنة الـماورية.

أسماء أيام الشهر القمري باللغـة الـماورية

فيروُ/ تِرِيا / أُهوُ آتا / أُوينُكو / أُكوُروُ / تاماتِيا آ نغانا “أو” نانا / تاماتِيا آ هوُتو / تاماتِيا آ يوُ / تاماتِيا كاي أريكي / هونا / أريرُوا / هوُتو / مافارو / آتُوا / أُهُوا / أُتورو / راكاوْنُوي / راكاوْنُوي ما توُهي / تاكِراو / أُكِيَ / كوُرَكوُرَ تي فيفِيا / كوُرَكوُرَ تي راوِيا / كوُرَكوُرَ بِيري نْغا تانغارُوا / تانغارُوا آ مُوا / تانغارُوا آ روُتوُ / تانغارُوا كِيوُ كِيوُ / أُتانَ / أُروُنغوُنُوي / أُمَوري “أو” أُماؤُري” / موتوفَنُوا “أو” مُتُفَنُوا”/ .
ملحوظة: حرف الغين (G) في اللغة الـماورية لا يُلفظ في بعض الكلمات أو لفظه يكون خفيفًا حتى وكأنه لا يظهر.
اليوم الأول “فيرُو”: لا تزرع طعامًا ولا تَـصِد.
اليوم الثاني “تِرِيا”: يجوز صيد الروبيان “جراد البحر”.
اليوم الثالث “أُهوُ آتا”: هو اليوم المناسب لصيد الروبيان، ومناسب “جيد” جدًّا لصيد الأَنقَليس “ثعبان الماء”، ومناسب جدًّا لزراعة البذور والبطاطا الحلوة “الكومَرا”.
اليوم الرابع “أُوينُكو”: يوم مناسب جدًّا أيضًا للزراعة والصيد.
اليوم الخامس “أُكوُروُ”: يوم آخر مناسب جدًّا للزراعة والصيد.
اليوم السادس “تاماتِيا آ نغانا “أو” نانا”: يوم مناسب للزراعة.
اليوم السابع “تاماتِيا آ هوُتو”: يوم مناسب للذهاب ليلًا لصيد الأَنقَليس “ثعبان الماء” والزراعة والصيد، على أن تكون حذرًا من الطقس.
اليوم الثامن “تاماتِيا آ يوُ”: يمكن الحصول على السمك والأَنقَليس “ثعبان الماء” والبطاطا الحلوة “الكومَرا”، ولكن أحجامها صغيرة جميعها.
اليوم التاسع “تاماتِيا كاي أريكي”: يوم مناسب لزراعة الطعام ولكن ليس مناسبًا للصيد.
اليوم العاشر “هونا”: يوم سيئ لكل شيء، لا تفعل شيئًا فيه.
اليوم الحادي عشر “أريرُوا”: لا تزرع طعامًا ولا تذهب للصيد.
اليوم الثاني عشر “هوُتو”: يوم مناسب لزراعة الطعام، والبطاطا الحلوة “الكومَرا”، كبيرة الحجم ولكنها تتعفن بسرعة، ويوم مناسب للصيد بالشبكة وبالفخاخ الأَنقَليس “ثعبان الماء” والروبيان “جراد البحر”.
اليوم الثالث عشر “مافارو”: يوم مناسب لزراعة الطعام.
اليوم الرابع عشر “آتُوا”: يوم غير مناسب للزراعة والصيد.
اليوم الخامس عشر “أُهُوا”: يوم مناسب للصيد والزراعة بعد الظهر.
اليوم السادس عشر “أُتورو”: يوم مناسب جدًّا، لقطف الثمار والصيد باستثناء الأَنقَليس “ثعبان الماء”.
اليوم السابع عشر “راكاوْنُوي”: يوم مناسب للصيد لكن ليس الأَنقَليس “ثعبان الماء”، وبذور النباتات تنمو قوية جدًّا.
اليوم الثامن عشر “راكاوْنُوي ما توُهي”: الطعام (الثمار) بكثرة ولكن أحجامه صغيرة.
اليوم التاسع عشر “تاكِراو”: لا يصلح لزراعة الطعام.
اليوم العشرون “أُكِيَ”: لا تذهب لساحل البحر فلن تجدَ شيئًا لتأكل.
اليوم الحادي والعشرون “ كوُرَكوُرَ تي فيفِيا”: إذا ذهبت بحثًا عن الطعام ليلًا فلن تجد الكثير.
اليوم الثاني والعشرون “ كوُرَكوُرَ تي راوِيا”: يوم جيد من الساعة الثانية عشرة ظهرًا وحتى الغروب، لصيد الأَنقَليس “ثعبان الماء”، والحصول على الطعام الوفير.
اليوم الثالث والعشرون “ كوُرَكوُرَ بِيري نْغا تانغارُوا”: يوم مناسب لصيد السمك والأَنقَليس “ثعبان الماء”، وزراعة الطعام.
اليوم الرابع والعشرون “تانغارُوا آ مُوا”: غزير الإنتاج في الصيد وزراعة الطعام.
اليوم الخامس والعشرون “ تانغارُوا آ روُتوُ”: مناسب للصيد، ولحراثة الزرع والعناية به.
اليوم السادس والعشرون “تانغارُوا كِيوُ كِيوُ”: مناسب للصيد ووضع الشِّباك للأَنقَليس “ثعبان الماء”، والروبيان “جراد البحر”.
اليوم السابع والعشرون “أُتانَ”: مناسب لصيد السمك والأَنقَليس “ثعبان الماء”، والروبيان “جراد البحر”. ويوم لا بأس به لزراعة الطعام.
اليوم الثامن والعشرون “أُروُنغوُنُوي”: مناسب جدًّا وخصب لزراعة الطعام وصيد السمك والأَنقَليس “ثعبان الماء”.
اليوم التاسع والعشرون “أُمَوري “أو” أُماؤُري””: يوم سيئ جدًّا وقاحل، لا يصلح للزراعة والصيد، والطعام مُتَوارٍ عن الأنظار.
اليوم الثلاثون “موتوفَنُوا “أو” مُتُفَنُوا””: يوم قاحل في الليل، القمر محاق، الظلام دامس.
ملحوظة: الـماوريون علاقتهم بالزراعة، علاقة طعام فقط، فلا وجود في قواميسهم قبل القَرن التاسع عشر للورود والزهور والحدائق الغَـنّاء، لهذا ارتبطت الزراعة بالطعام فقط، كما أنَّ طريقة صيد الأَنقَليس “ثعبان الماء”، تعتمد الـمِحبَس، وهو الشَّرَك الذي يغوي الأَنقَليس بالدخول فيه، ولا يمكنه الخروج منه، وهذه هي طريقة الصيد، أما مصيدة صيد الروبيان “جراد البحر” فهي عبارة عن قفص مُشبّك بيضوي ويُسمّى باللغة الـماورية “تاروكَ”.

في معظم الثقافات، أيام الشهر تُعد أرقامًا، أي اليوم الأول من الشهر ولغاية آخره، لكن في التقويم الـماوري تكون الليالي بدلًا من النهارات، فالتقويم القمري مرتبط بالليل، مثلًا: “الليلة الأولى تسمى “فيروُ” (الواو أعجمية) وتعني أنَّ الهلال الجديد ظهر، والثانية تسمى “تيـرَيّا” وتعني أنَّ الهلال “القمر” صغير جدًّا. والليلة الثالثة تسمى “هوُ آتا”، وأما ليلة النصف من الشهر حين يكون القمر مكتملًا بكامل وهج فضته، فيُطلق على هذه الليلة اسم: “راكاو-نُوي” القمر اكتمل، وطعام البحر جاهز لـِجَنيهِ؛ أي أنَّ ضوء القمر يمنح الفرصة جيدًا للصيادين ليملؤوا سلالهم بالسمك وما يجود به البحر. علمت من شرطيّ في مدينة هاملتون، محافظة “وايكاتو”، أنَّ العنف يزداد عند اكتمال القمر، أي أنَّ هناك علاقة ما بين اكتمال القمر والعنف.

علاقة الـماوري بالليل أقوى من النهار، فحين يُسأل الـمسافر يكون السؤال: كم ليلة سافرت؟ وليس كم يومًا سافرت؟ كم عدد الليالي التي استغرقتها رحلتك؟ وليس كم عدد الأيام التي استغرقتها رحلتك؟ حتى لو كان السفر يتم في النهارات وليس في الليالي. لا يعرف الإنسان الـماوري عمره، فهم غير مبالين بالعمر، وفهمهم للوقت يختلف عن شعوب كثيرة، الـماوري لا يحسب سنوات عمره، لهذا يموت وهو يجهل عددها، مثلما يجهلها سواه، وُيُخَيّل لي أنَّ الذاكرة الـجمعية الـماورية تخلو من الإشارة إلى سِنِيّ العمر رقمًا.