زهير الجبوري
منذ عقود والتشكيلي العراقي ثامر الأغا يختط لتجربته الأسلوب الذي يجده ملائما له، فهو من أبرز فناني العراق في اشتغالاته لموضوعة التجريب عبر التخطيطات أو اشتغالاته الفنية الأخرى، فلم يكن معبرا عن رأي معين فحسب، إنما يشتغل عبر منظومة قيمية تلامس الواقع المعاصر بكل ما يحمله من أوجاع وصرخات ما تزال مستمرة ليومنا هذا.
الملفت للنظر أن الأغا استجمع قواه وأخذ يلملم ما رسمه في السنوات الأخيرة من أعمال تخطيطية متنوعة، تكرست بكتاب أسماه "خطوط السنين"، وهي تجربة تفردت بآليتها في الطرح، حيث انطوت على قناعة الفنان ذاته في حصر ما رسمه في مطبوع، وهي التفاتة تحسب له لأنها قُرأَتْ قراءة متأنية، بمعنى أن الأعمال جميعها ستبقى حاضرة عند المتابع المتلقي، عكس ما يحصل في المعارض الشخصية التي لها وقت محدد لا تتعدى سوى أيام قليلة، لذا كانت لوحات المطبوع حاضرة بمضمونها.
ثامر الأغا، مولع بالأشياء الهامشية، أو بالأشياء التي تشكل فوضى، وقد يحيلنا إلى منطقة غاية الأهمية في التحليل النقدي حول اشتغالات المبدع في الفن أو الأدب لما يسمى بـ (النقد الثقافي)، وهي إثارة العلامات غير المركزية أو ما هو مهمل، إلا أننا إزاء تركيبات بصرية يقدمها لنا الفنان وسط ضجيج وصرخات وانهيارات (تخطيطة)، تعبر عن مخيلة واسعة لخطاب الدمار في المجتمع، وهذه الأرضية لا تبتعد عن فردانية الإنسان العراقي على وجه التحديد، بل هي في صلب حياته.
لذا أحسب أن كل ما يمكن الإشارة إليه يقف عند استفهامات كبيرة لطبيعة الموضوعات المرسومة، الموضوعات التي أخذت من الأثر مادة أشغل عليها، وعلى الرغم من أهمية اللوحات وتوثيقها وهي تحاكي ما جاء به من عنف واضطراب، إلا أنها في ذات الوقت ترفض ذلك، ربما هي استنكار أو احتجاج أو حالة كشف عن انفعالات، فهي ارهاصات استجاب لها الفنان واسقطها في تجربة، أو كما يقول في مقدمة كتابه "في هذا الكتاب سيجد القارئ كل رؤاي وارهاصاتي ومغامراتي الفنية على مرّ السنين".
فلم تكن المساحة الورقية "المصقولة" التي رسم فيها سوى انعطافة لموقف "حياتي، واجتماعي، وسياسي، ونفسي"، لأننا إزاء قراءة وقائع لأحداث دامية عشنا تفاصيلها على أرض الواقع، غير أن الأغا أعاد صياغة تفاصيل الملحمة عبر أزمانها السابقة ليقدم تجربة لملحمة عراقية تكررت كثيرا في شوارعنا وأزقتنا وبيوتنا، حيث عالم المفخخات والتفجيرات وحياة العنف، وكذلك حياة الأزمة العالمية لجائحة "كورونا" كلها ترسخت في مضمون هذه الأعمال وأصبحت من مروياتنا في حياة العولمة. وعلى ذكر الملحمة التي جاءت تسميتها من الاحتدامات التي ذكرها التاريخ في أرض الواقع أو في المتخيل، فناننا هنا لا يستعير مادته من المتخيل بقدر ما هو ملموس وظاهر وعياني سيذكره التاريخ بكل دقائقه، وبكل تفاصيله، وفي التشكيل سيكون كتاب "خطوط السنين" واحدا من هذه النماذج.
كما تمتعت بعض لوحات الفنان في الأصل بـ "الكولاج" كالصور الفوتوغرافية وقطع العلامات التجارية وبعض الماركات التجارية، لتعطي معادلا موضوعيا لطبيعة كل لوحة وما تحمله من أبعاد جمالية وضربات سيميائية.
اضافة إلى ذلك، تكشف اللوحات ذهنية الفنان في قراءة بعض الأماكن المتصارع عليها وفق تمكين العلامات الموحية لأشكال معينة دقيقة كـ "الجدران.. والكوفيات.. والكراسي.. والوجوه المعبرة عن القبح، وما إلى ذلك)، رسمت بأسلوب تعبيري واضح، وهذا الأسلوب يساعد الفنان في طرح أفكاره بأبعاد ادائية، وبتكتيك مهاري قابل للتلقي.
ككل، تمكن التشكيلي ثامر الأغا من أنْ يقدم تجربته عبر منجز ورقي يحسب له ولكل ما تضمنه من لوحات، وأجزم بأنه اختصر الكثير من المسافات أو بالأحرى أعاد طريقة طرح اللوحات عبر هذا المنجز الورقي، وهي تجربة تبدو نادرة، لطبيعة اختيارها وتكلفتها الباهظة، قياسا بحجم الصفحات وعددها.