نيتشه: القوّة أساس الحياة

ثقافة 2024/04/04
...

  كمال عبد الرحمن


بكل بساطة وبعيدا عن التعقيدات اللفظية أو الدلالية نوضح إرادة القوة عند نيتشه على النحو الآتي:

أولا: الخالق فرض على عباده "التوحيد والعبادة والعمل الصالح"، هذه هي "إرادة قوة" عند الإله، وقد جاءت بتفويض من قوة الخالق على المخلوق الأضعف.

ثانيا: الملك أو السلطان أو الحاكم سنّ قوانين ودستورا للدولة "هذه إرادة" يطيعها الشعب بما للحاكم من سلطة وقوة في تنفيذ القوانين. وهكذا يمر قانون "إرادة القوة" من الأعلى صاحب القوة والارادة إلى الأدنى الذين ينفذ لأنه لا يملك هذه القوة.

يقول نيتشه "لايمكن أن نعي أي تحول لاتنشط فيه إرادة القوة، ولانعرف أي استنتاج تحول ما إذا لم يكن هناك اعتداء من قوة على قوة أخرى"، ويتساءل هيدغر: (لمَ تبدو علاقة الوجود بالحقيقة علاقة غريبة ومالوفة في الآن نفسه؟ إن سؤال الحقيقة مرتبط بسؤال الوجود، فالوجود الذي نسأل عنه ونسائله إنما هو الوجود الحق، أي الوجود من جهة ما هو اقتدار). 

وجاء هذا التساؤل ردا على قول نيتشه هل تعرفون ما أعني  بالعالم، ويجيب عن السؤال "إن هذا العالم هو إرادة اقتدار لاغير، وانتم أنفسكم إرادة اقتدار  لاغير". 

ويرى نيتشه أن "حرية الإرادة حيلة ابتدعها رجال الدين لكي يجعلوا الإنسان مسؤولا عن أفعاله، وبالتالي ليعطوا أنفسهم حق محاسبته ومعاقبته"، فهو يقول كل شيء في الحياة كذب إلا إرادة القوة، فالجمال عنده كذب، والاخلاق كذب، والشيء الوحيد في هذا الكون هو إرادة القوة، ومن هذه الشذرات التي أطلقها نيتشه في العالم، ظهرت العنصرية الآرية الجرمانية عند مواطنه وتلميذه هتلر الذي دمر ألمانيا وأحتل أجزاء من العالم تحت شعار "إرادة القوة" حيث رأى أن العنصر الاري الجرماني هو النقي الوحيد في العالم، وبقية الشعوب كلها هجينة، وينبغي له السيطرة على العالم عن طريق "إرادة القوة" التي ابتدعها ونشرها في العالم نيتشه ومن تبعه من الفلاسفة كتلميذه ومواطنه "هيدغر" الذي مشى على خطوات استاذه في هذا الرأي.

ويرى نيتشه أن العالم ليس إلا غابة يفترس فيه القوي الضعيف، وأن مسألة حرية الارادة التي يروج لها السياسيون ورجال الدين، ليست أكثر من أكذوبة، فالفقير والضعيف والجاهل لا رأي لهم جميعا، الرأي والفعل هو لصاحب "ارادة القوة " فهو المتحكم بحسب قوته بمن هو أدنى منها. 

ومعنى هذا أن الشعوب الضعيفة والفقيرة لاحرية رأي لها، فهي تابعة ذليلة للأقوى الذي يفرض إرادته كما يشاء، فلا حرية ولا ديمقراطية ولا اشتراكية للضعيف، لأنه لايملك القوة الكافية للدفاع عن نفسه أو فرض رأيه على الأقوياء.

الكون تقوده القوة، ولو كان هناك إله ضعيف فلن يعبده أحد، أو كان هناك ملك مريض وعاجز فإنه لن يستطيع فرض رأيه على سواه، إذ أن أغلب قوانين ودساتير العالم هي تقوم على الكذب كما يرى نيتشه، وبخاصة تلك التي تدعي أنها تضمن للضعيف حقه، مثلما للقوي حقه، وهناك قوانين لاتستطيع ولا يجرؤ مشرعوها على تطبيقها على بعض الجهات أو الاشخاص، ففي الغالب تسن القوانين لتطبق على الضعفاء لا على الاقوياء بحسب نيتشه.

ويقول نيتشه على لسان زرادشت في كتابه "هكذا تكلم زرادشت": ويا أسفاه، فإن كل من يتكهن ما هي إرادتي، يجب أن يتكهن أيضا على أي طرق ملتوية، ينبغي أن تسير هذه الإرادة، وأيا كان الشيء الذي أخلقه، ومهما يكون حبي له كبيرا، فسرعان ما سأنقلب ضد حبي له، هكذا تبتغي إرادتي. 

فمثلًا في الشذرة الثالثة عشر في كتابه "العلم المرح" والمعنونة بمذهب الشعور بالقوة، يجادل نيتشه في أننا نمارس قوتنا وسلطتنا على الناس بطريقتين: عندما نخدمهم ونفيدهم، وعندما نؤذيهم ونضرهم .وهو يتحدث دائما عن (الإنسان الدودة) و(الإنسان الأعلى) وكذلك عن "النخبة" و"القطيع". 

ويرى أن القوة أكبر من السلطة، وليس كل ذي سلطة قويا بالمعنى الفلسفي الذي يقصده، القوة أصل، والسلطة نتيجة، تتجلى القوة لدى الإنسان في الاستقلالية والابداع، والالتزام بالفضيلة، ومغالبة الظروف، وقهر الصعاب، والسمو بالنفس، أو الرقي بها، والإنسان الراقي قوي ومتحضر، وهو الساعي نحو القمم، التي تجعل منه سيد نفسه والأرض، فينبغي على الجهات التي تمتلك القوة الاتصاف في أن يكون صاحب  القوة نزيها عادلا منصفا في تطبيق هذه القوة، وتطبيق القوة في غير محلها فيه دمار وتخريب تكون نتائجه وخيمة على الانسانية،  وينبغي لهذا التطبيق أن يكون ضمن حسابات انسانية وفكرية وسياسية واقتصادية في غاية الدقة.

إن استعمال القوّة يجب أن يكون لهدف سام/ روحي إذ لا بدّ من التأكيد هنا على أنّ القوّة لا تعني دوما الدوران في فلك العنف الهمجي، فقد تعني إستعمال ما يسميه ماكس فيبر ” القوة الشرعية” وهو “حق الدولة في إحتكار العنف على إقليمها لضبط القانون. وبالتالي فالتنافس بين القوى السياسية هو سعي إلى النفوذ لان الوحدات والمؤسسات السياسية تلجأ إلى المنافسة أو الصراع والخصومة من أجل فرض نفوذها و السيطرة على الآخرين” أما بالنّسبة إلى نيتشه، فالقوّة بنظره هي أساس الحياة، ووحدها تحدد مصير الإنسان، وهو يحدد قيمته عبر هذه  القوة.