محاولات تحرّك ما تكدَّس من حياة

ثقافة 2024/04/07
...

  رضا المحمداوي

من غلاف مجموعته القصصيّة الجديدة المعنونة بـ "غربة" للقاص عادل علي الحسن والذي أحتلّتْ الساعة الجزء العلوي منه، كإشارة أو دلالة إلى وحدة قياس الزمن الفيزياوي، يبدأ القاص إنشغاله في التعامل مع ذلك الزمن ومعالجته سردياً بما احتواه من تجارب وأحداث ووقائع وذكريات، وكأني به يفتح خزائن ذاكرته ومحتوياتها القديمة ليصوغها على شكل قصص قصيرة بعد أنْ عَمَدَ إلى الإتيان بكل ما يرجُّ أو يهزُّ أو يحرّكُ تلك الذاكرة التي أتعبتها السنوات.
ومن هنا نرى الحسن يبدأ رحلته السردية من القصة الأولى، حيث يغادر مدينته (الرفاعي) في الناصرية ليوصله القطار النازل فجراً إلى مدينة (المعقل) في البصرة، لتنتهي تلك الرحلة بمناجاة رومانسية حالمة لنهر(الغراف) في القصة الأخيرة التي تحمل اسم النهر وهو يسألهُ:هل تتذكرني؟
 ومن خلال هذه الرحلة التي ضمَّتْ (32) قصة قصيرة يعود (عادل) إلى الطفولة وألعابها البريئة ويستدرج الذاكرة الشعبية التي تكتظ بأسماء أمثال "داخل حسن ومظفر النواب وياس خضر ومحيبس أبو أنيس و جاسم مكَطوف"، وهو بذلك يفتح مستودع أسراره ليقصَّ حكاياته الواقعية المثقلة بالفضول ومحاولة التعرف على أسرار الحياة وفك غموضها.
لذا فغالباً ما يتم تقديم القصص من وجهة نظر شخوص طفولية أو صبيانية فتية تلامس بهجة الحياة، وهي تندفع بمشاعرها في محاولتها لاكتشاف العالم الخارجي؛ فنجد الفضول يدفع بشخوصه دائماً نحو التعرف على مفردات الحياة والتلصص على ما يجري في الواقع عبر مخبأ أو زاوية متخفية تمثل زاوية استرقاق نظر للقارئ وهو يطالع النص وعوالمه ومكوناته، ولا سيِّما في ما يتعلق بعاطفة الحب والتعلق بها ومحاولة التعرف على هذا الشعور وأسراره، واصابته كذلك بالدهشة الأولى وهو يتعرّف على رغبات ونزوات جسد الفتى المراهق الحالم بالدفء والحنان.
الحسن من خلال مجموعته القصصية يمدُّ يدَهُ إلى خزين أفكارهِ ويحرّك ما تكدَّس من وقائع وتجارب لينتشل هذه الفكرة أو تلك الذكرى من الإهمال والنسيان، ويتتبع كذلك ما تركته الأيام في حياته من آثار كي لا يمحوها تراكم الأحداث المتتالية.
وفي معظم نصوص المجموعة يلتقط القاص الأفكار والموضوعات ويستعيد الأحداث ومجريات الأيام، وفي الوقت الذي قدَّمَ انموذجاً قصصياً ناضجاً في "الحكايات الخمس" واقترب كثيراً من معاناة التواصل الإجتماعي الشاق والعسير في ظل أجواء الحرب، من خلال قصتي "الوشاية" و "الهاتف" واللتين تجري أحداثهما خلال حرب الثمانينيات الطويلة, حيث دوي رشقات قذائف المدفعية الثقيلة مع وجود جهاز (الهاتف) الارضي بخط مدني في إحدى الوحدات العسكرية القريبة من المدينة الحدودية، ليصبح ذلك الهاتف هو هاجس الإتصال والنزوع الدائم نحو التواصل الإنساني الحميم في ظل تلك العزلة العسكرية القاتلة.
إلا أنَّ القاص وفي معظم النصوص السردية الأخرى يُبقي أفكارَهُ عائمة، وطافية ً على السطح في معالجتهِ السردية لتكون الكتابة أشبه ما تكون بكتابة مذكرات أو يوميات وتدوينها بأسلوب الخاطرة الفنية، لكنها في الغالب الأعم تفتقد المبنى القصصي والبناء الفني، وحتى مقومات السرد من الوصف والحوار أو التداعي أو الإختزال أو التكثيف لا نجدها تحضر بفعالية فنية واضحة، ونتيجة لذلك تتعثر مثل هذه الأفكار في خطواتها وهي تتجه نحو (فن القصة القصيرة) وتظل تحوم على الفكرة، لكنها تضل طريقها الموصل إلى البناء القصصي بحيويته وعناصره المشوقة.