كيف نشفى من حمى إنقاذ العالم؟

ثقافة 2024/04/08
...

  عبد الغفار العطوي

  

ولا يمكننا أن نفهم معنى اللعب مع الفلسفة إلا إذا عرفنا الحقيقة، وهل إن الفلسفة لا تلعب إلا مع الكبير من الأشياء، لتهمل الأشياء الصغيرة، لنصل نحو ما نريد في تعاملنا مع هذين الكاتبين في معرفة ماهية “الحقيقة”، التي بدأ الفلاسفة منذ افلاطون بالتحدث عن معاناتهم معها، ومناقبها الثمينة. يضع فتحي المسكيني في “فلسفة الأشياء الصغيرة” في توطئة الكتاب بعنوان فاضح الدلالة في كيف نشفى من حمى انقاذ العالم؟ كان أول تحدثه عن الحقيقة، الحقيقة من كونها  قادرة أن تميز بين الصغر والكبر!  

في “محاورات إفلاطون – فيدون” فإن الفلاسفة لم ينظروا في لعبهم مع الفلسفة، سوى لوجود القضايا الكبرى كالكينونة، ولم يعترفوا بأن هناك الصغر، لأنهم حسبوه يساوي “قليل الشأن” والفلسفة اتقنت لعبها مع الكبار من المفاهيم باعتبارها تمثل حقيقة الوجود. ويعزى لهيدغر الاتجاه بالفلسفة نحو منحى اللعب مع الكبير بوصفه حقيقة، لكن نيتشه قلب الاتجاه باللعب مع القضايا الصغيرة، بقوله إن “الأشياء الصغيرة التي لا يكترث  لها أحد أجد. أنا بذلك أسيء لنفسي، لا سيما وإنني منذور كي اضطلع بالمهمات الكبرى”، ولعل ذلك هو عين الحقيقة التي تعبت الفلسفة من المناداة باسمها. 

ستيفن أيضا يخص كتابه “الفلسفة للأشخاص المنشغلين  كل شيء  يجب ان  تعرفه حقا” الحقيقة بمعرفته المختلفة، هو يريد أن يشرحها للفلاسفة الهواة “أمثالي” هو ينظر للحقيقة التي تقترب من اللعب مع الفوضى، أي مع الأشياء الكبيرة كالوجود، الله، العالم، والأشياء الصغيرة كالغداء، والنوم والضحك والسعادة  في اللحظات الحاسمة من عصر العقلانية المهدد باللاعقلانية. 

في مقدمة كتابه “البحث عن الحقيقة” يقول ستيفن: من المهم في العصر الحديث، حيث تسير  الحياة  بوتيرة سريعة جداً في بعض الأحيان، أن نوفر مساحة في حياتنا  للتفكير والتأمل في فرضياتنا وأفكارنا. ولعل الآن ستيفن يعلمنا بعض الطرق في فهم بعض اساليب الكبار من الفلاسفة كهيجل، مع إن اعماله الفلسفية تثير بعض الدهشة، لكن أسلوبه الفلسفي معقد جداً، وهو يتناول الواقعية المطلقة والمنهج الجدلي، في حياتنا التي عقدتها التكنولوجيا، وعلم النانو “علم الأشياء الصغيرة”. لم يعد مقبولاً تماماً التفكير بعقلية كعقلية هيجل، وحتى بعقلية هيدغر الذي وضع العقل التأويلي في نهاية مطاف طريق، فعلى العالم اليوم إيجاد نمط جديد في العقل والتفكير، أي لا بد لنا من “التفكير بعد عصر هيدغر” في قدرة الرأسمالية أن تلعب وحدها مع الفلسفة كشريك مراوغ، لا سيما إننا نراها في كتاب “الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها-  باتريك ارتو ماري بول فيرار” تعلن المؤسسات الرأسمالية بخروج فلسفة الفوضى نحو مدارات اوسع بعد سلسلة التخفيضات المروعة للأجور، والإفلاس الفاضح للمؤسسات البنكية العالمية.  أما كتاب “المشاكل العالمية وثقافة الرأسمالية - ريتشارد اتش روبنز” فهو يكرس أنماط الاستهلاك والتسويق في عصر الرأسمالية التي يتهمها أغلب فلاسفة عصرنا. إنها المحرك المركزي في أزمة العالم في العصر الحالي العصيب، لكن تجارب بعض الدول المحسوبة على النظام الشيوعي المنهار “الاشتراكية واقتصاد السوق تجارب الصين وفيتنام وكوبا سمير امين وآخرون” تضع الجميع في سفينة العالم التي توشك على الغرق، ولم يتبق سوى خيارين، إما فلسفة الفوضى التي يتزعمها سلافوي جيجك، وإما نظرية الألعاب التي يتفاخر الاقتصادي البريطاني كين بينمور في الحيلولة من السقوط المدوي لأخلاقيات الخطاب الثقافي الكوني في الغرب والشرق معاً في حالة استخدامها في اللعبة القائمة حالياً مع الفوضى. فكرة اللعب التي استحدها بينمور هي نتاج المقامرة لإرساء ملامح عالم ما بعد بشري، لأن جيجك في “فلسفة الفوضى” لا يحقق مفاجأة من العيار الثقيل إلا وفق مواصفات اللعب بين مجموعة قيم ومفاهيم بين الفلسفة وعلم الاجتماع “في النظرية الماركسية الجديدة التي ورثت نقدها للنظام الرأسمالي والشيوعي والاشتراكي وتشجيع اقتصاد السوق”.   

بالعودة إلى ماركس “الماركسية الجديدة العودة الى ماركس من أجل تخطي الماركسيات الرائجة  سلامة كيلة”:. وفي كتاب سلافوي جيجك “فلسفة الفوضى”، الذي هو عبارة عن جملة دراسات متفرقة لكنها ذات شأن عظيم تبدأ من اليمن والسعودية ولا تنتهي حول الإطار القومي للدولة وتبنيه مقولة: لا أزال شيوعياً في نهاية الكتاب، وحول ما تمخضت عنه فترة رئاسة دونالد ترامب لامريكا من فوضى عمت العالم كله، حتى مجيء جو بايدن، حيث ما زالت الفوضى عارمة. لهذا يبادر في مقدمة كتابه إلى أن يقر مقولة ماو تس تونغ الصيني زعيم الحزب الشيوعي الصيني المشهور بقيادته للثورة الثقافية في الستينيات من القرن المنصرم، الوضع  ممتاز مادامت  فوضى كثيرة تسود تحت السماء، بالمقابل تدفع نظرية الألعاب، بشخص كين بينمور مبتكرها البشرية نحو اللعب مع المعالج الأكبر للفوضى، وهو الفلسفة، طوق النجاة الوحيد لتايتنيك الفوضى، إذ يجب ان نعلم  عم تدور  نظرية الألعاب؟ باختصار شديد، حينما طلب من كين بينمور تعليم  شابات  كيف يلعبن  لعبة الحب، لكنه تبين لهن أن كل ما اردنه هو  نصيحة حول كيفية التعامل مع العشاق، ويقول عليه، ولا أزال اعتقد أنهن أخطأن عندما رفضن  توصياتي المهمة، لكنهن أصبن في التسليم بأن المغازلة هي واحدة من الألعاب  العديدة المختلفة  التي نلعبها في الحياة الواقعية. من جانب ثان تعد نظرية الألعاب النظرية  بنظر رجال الأعمال  العمليين إنها فرع غير مجد من العلوم الاجتماعية، لكن ما حصل في أمريكا بعد زمن جعل نظرية الألعاب تعتمد في وضع حلول لأزمة العالم عن طريق فكرة وضع ند من اللعب مقابل أية أزمة، وبما إن فلسفة الفوضى تدفع البشرية للانتحار فإن اللعب معها يكون بوضع مفهوم الدمار ضمن احتمالات لعبة.     


سلافوي جيجك فيلسوف وناقد ثقافي سلوفيني قدم مساهمات في النظرية السياسية، ونظرية التحليل النفسي، والسينما النظرية، وهو أحد كبار الباحثين في معهد علم الاجتماع بجامعة  ليوبليانا، سنقرأ في كتابه {فلسفة الفوضى} ما هو مصير العالم عبر الاستعانة بكين بينمور استاذ فخري في الاقتصاد في كلية لندن الجامعة عرف في كتابه {نظرية الألعاب مقدمة قصيرة جداً} ، ما يفتح لنا القدر في لعبة الفوضى التي تضرب اطنابها في عالم اليوم.