الشعرُ والسينما رقص

ثقافة 2024/04/08
...

 ستيفان بوكي

  ترجمة: مبارك حسني 

يقول ستيفان بوكيه، الذي هو كاتب وسيناريست وراقص ومؤلف مسرحي وشاعر، فضلا عن كونه ناقداً سينمائياً لمجلة {دفاتر السينما} منذ فترة طويلة: بالأمس، وبمحض الصدفة السعيدة، شاهدت من جديد فيلم {انجد نفسك} للمخرج جان لوك غودار . وأثارني فيه صوت يقول: كنا نحسبها حركات في حين أنها كانت كلمات. الشيء الذي جعلني أرى بأنه كان يجب أن أكون اكثر انصاتا عندما شاهدت الفيلم لأول مرة.

كان يجب أن أُنصت، أن أُنصت وأفهم هذه الصيغة. مما كان سيوفر عليَّ الكثير من الوقت.  بدلاً من ذلك، مثل أي شخص آخر، بلغت مسامعي هذه الجملة الأخرى: "في كل مرة ترى شاحنة وهي تمر بجانبك، فكر في أنها كلمات امرأة تمر، ولكن في العمق، والآن بعد أن استمعت إلى هذه العبارة، هنا على ضوء هذا الجملة الأخرى يحدث الشيء ذاته، ما هو بالضبط؟ أهو حركة؟  لا، هو كلمات.  لكن، هل العكس صحيح؟ يحدث أن نعتقد بأنها كلمات، في حين هي حركة.  

نعم العكس أيضا صحيح. ينبع خفقان القلب جَرَّاء الحركة. هنا نقف على تعريف فعال للشعر. يقال بأن (الشعر يهتم باللغة)، لا هو يهتم (بالإيماءات أكثر منه  بالحياة). 

هل هناك علاقة بين السينما والشعر؟

 نعم، على الأرجح: في هذه منطقة الاتصال حيث يمكن ويجب على اللغة والحركة أن تتعلما من بعضهما البعض.  أعتقد أنه يمكننا أن نطلق على العلاقة بين السينما والشعر وصف راقصاً: هذا الفضاء المَسَامِيُّ حيث تميل الكلمة والحركة إلى التمازج.

حاول الشاعر والمخرج السينمائي باولو بازوليني أن يحدد ماهية سينما الشعر بالنسبة له.  لكني لا أعتقد أنه وَدَّ تحديد الشعر السينمائي على الاطلاق. أعتقد أن هذا يعني أن مكان الشعر بالنسبة له يوجد في المقام الأول، منذ البداية. ومع ذلك، إذا كانت سينماه نوع من طرائق للكلام، فإن شعره هو نوع جيد من طرائق المشي: أي مشاهدة الرجل وهو يمرح بشكل جيد.

الغريب في دراسة الفيلسوف الأمريكي ستانلي كافيل لكوميديا الزواج للمرة الثانية، هو قوله ان السينما بمعناها الضيق (الإطار، والمونتاج، وما إلى ذلك) لا تهمه: ولكن فقط الطريقة التي تحافظ بها الأجساد على نفسها (الجلوس، الوقوف، التواجد بعيدا، قريبا). ليقولوا ما يجب عليهم قولُه.  إنهم يسعون، وفقًا لكافيل، إلى وضع أنفسهم في موقف يسمح لهم بقول نعم للزواج (إعادة الزواج).

من بين رواد تيار الفلسفة المتعالية (إيمرسون في المقام الأول) الذين يستمد منهم كافيل الإلهام، يعتبر الزواج فكرة أساسية تندرج تحت وحدتها جميع العلاقات المعقدة للغاية داخل العالم. 

فالشاعر الأمريكي ويليام كارلوس ويليامز (الشاعر من مدينة باترسون)، والذي تأثر أيضًا بإيمرسون، كان يردد دوما بأن الشعر يبحث عن شروط إمكانية الزواج الجيد، والتداخل العادل. الزواج هو اتحاد الأضداد بالرغم أنهم يظلون متضادين أثناء هذا الاتحاد. يسمي ويليامز في الجزء الأخير من عمله، حركة اتحاد الأضداد هذه: الرقص.

تقول مارغريت دوراس ما يفيد بأن تلاقي الشريط الصوري (السينما) مع الشريط الصوتي (الأدب) معًا، يجعل الفيلم نهائيا وكاملا. في ذات الأثناء، ترقص الأجساد أو تمشي أو تستلقي أو تنساق، وتقوم بالحركات التي هي محاولة الاتصال (المداعبة، العناق) بين الحركة والكلمات. أنا أؤمن بالحركة (أو الجمود الذي هو لحظة الاستراحة)، والكلام (أو الصمت الذي هو لحظة الاستراحة). مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال، وينطبق هذا على العديد من صانعي الأفلام: أكرمان، ريفيت، رومير، تار، فان سانت، باراجانوف، هونغ سانغ سو وبالطبع كثيرون آخرون.  إنها دائمًا مسألة العثور على اللحظة التي تصل فيها الأمور إلى (إلى حد ما).

وهذا يعني لحظة الوحدة المحققة حيث يتم التوفيق بين الحركة والكلمة (المصالحة) كما في النهاية الرائعة لـ"مطحنة وصقلية" (فيلم دانيال خويي وجان ميشيل ستراوب) التي تشحذ الحركات والكلمات بنفس المهارة المعرفية.

 بالنسبة للمخرج جاك ريفيت، نموذج الكلام هو المسرح وليس الشعر. هل يغيِّر هذا شيئاً في حركات الجسم في أفلامه؟  حدسي هو نعم: أجساد ريفيت أكثر ميلا إلى الحركات الطفولية (تراجعية؟) كما أنها أكثر ميلا إلى الصيغ الكلامية السحرية (الكلام كثيرا) لأن هدفها هو الوحدة التصالحية للعبة. هل هو الشعر والسينما. لا، هو الشعر والسينما. فلطالما أحببت علامة العطف هاته (و)، التي تشبه المقطوعات الموسيقية الأولى لراؤول فوييه (1660- 1710).  الكتابة باليد هي مثل الرقص بالمعصم لتحقيق توفيقا عنوانه حركة- كلمة.


عن دفاتر السينما، عدد 803،  

تشرين الثاني 2023