علي حمود الحسن
غادر عالمنا الفاني، مؤخرا، مهدي عبد الصاحب عن عمر ناهز الـ (90) عاما، الذي أنتج وأخرج ومثل أول فيلم عن "طرزان " محلي في تاريخ السينما العراقية، اذ توفي اثر حادث مؤسف بعيدا عن الوحوش والادغال و"شيتته" الاثيرة.. وأصل الحكاية أن البغداديين شاهدوا أفلام طرزان في اربعينيات القرن الماضي، فانبهروا بها وتهافتوا على رؤيتها، وكعادتهم يومئذ راحوا يستحضرون هذه الشخصية في مجالسهم وأماكن عملهم، فاطلقوا على السريع الذي يتسلق الحيطان والنخيل بخفة اسم طرزان، وعلى النحيف المشاكس الذي ينط هنا وهناك " شيتة" تيمنا بقردته المشاكسة، وقلد الأطفال والفتيان هذه الشخصية الوحشية، متعجبين من قدرته على القفز بين الأشجار، ممسكا بحبل مضفور بخفة ورشاقة، حاملا سكينا "ربع قامة"، وهو يصرخ بين الفينة والأخرى صرخته المعروفة (آ ييا )، التي اغرم بها الكبار قبل الصغار، حتى تحولت الى وسيلة لتنبيه وشفرة للتواصل بين الأصدقاء في المناطق الشعبية.
تسابقت شركات الإنتاج العالمية لتقديم أفلامٍ عن طرزان ومغامراته في جميع ارجاء المعمورة، وبنسخ قومية؛ فكان طرزان اميركيا وإيطاليا وفرنسيا وهنديا، وقتها اشتعلت الغيرة العراقية في وجدان عشاق السينما البغداديين، وراحوا يتساءلون لما لا يكون لدينا طرزان عراقي، هل الامريكيون والهنود أفضل منا؟، يومئذ بادر متعدد المواهب مهدي عبد الصاحب (مهدي كجك) المغرم بالسينما الى انتاج وإخراج فيلم عراقي خالص عن طرزان، يمثل فيه هو وأصدقاؤه من محلة باب الشيخ وما جاورها، معتمدا على خبرته في التصوير والمونتاج التي اكتسبها، من خلال عمله في التوجيه المعنوي، الذي ينتج أفلاما تعبوية وترفيهية للجيش، وهكذا دخل عالم الإخراج والإنتاج لأول فيلم مغامرات عراقي في بداية ستينيات القرن الماضي، وبعد إكماله عرضه في ورشة تصليح السيارات التي يديرها مقابل عشرة فلوس.. توافد الناس لرؤية طرزان، فذاع صيت الحاج مهدي في الصوبين(كرخ ورصافة)، واحتشد الشباب والأطفال، وهم ينتظرون في طوابير، لا سيما في أيام الأعياد، وكانت متعة الحاج مهدي تتجسد بجلوسه على كرسي امام الورشة (الصالة)، يخبر الجميع:"بان طرزان الذي شاهدتموه يصارع الوحوش ويجندل الأشرار "هو انا " ولا أحد يصدق ذلك".
واجهت الحاج مهدي مشكلات طريفة في انتاجه الفيلم، منها: انه لم يجد "شيتة مناسبة" لتكون رفيقة طرزان، فمعظم " الشوادي" في سوق الغزل " وكحة" غير مدربة، وكانت المشكلة الاخطر، هي طلب الممول الذي زودهم بسيارة جيب للتصوير الشلالات والغابات في شمال العراق، وفي ادغال الحدائق الملكية في الاعظمية، بزيادة عدد مشاهد المعارك وتحديدا " البوكسات" ولا خيار للمخرج سوى الاستجابة، وكان المنتج ينهال على أحد افراد العصابة بالضرب بسبب وبلا سبب، ربما لأنه يطلبه دينا عجز عن سداده.
نجح الفيلم وتداول الناس اخباره وتحول الحاج مهدي الى أيقونة في رصافة بغداد وكرخها، وكان الأطفال ينادونه بصرخة طرزان الشهيرة ( آ ييا)، وأطلق مطرب المربعات الشهير حسن حسكة اغنيته التي انتشرت في بغداد والمحافظات: " طرزان هو الشادي صديقه.. طرزان.. يصعد النخلة دقيقة طرزان.. يسبح بالنهر فلّه طرزان.. يضرب التمساح كله طرزان ".. رحم الله الحاج مهدي بقدر اسعاده للناس واجيال من الأطفال، الذين أحبوه واحبهم، وقد أخبرني في لقاء مطول – استللت منه مادة العمود- اجريته معه برفقة المصور الزميل نهاد العزاوي في العام 2016 انه: " يحلم بسينمات خاصة بالأطفال وافلامهم في بغداد
والمحافظات".