الفلسفة.. التفكير في المجال العام

ثقافة 2024/04/14
...

  حازم رعد 


للفلسفة المعاصرة عدد من السمات التي تعرف فيها لعل منها تنوع موضوعات البحث الفلسفي، وذلك لكثرة المشكلات والصعوبات التي تطرأ في الحياة الإنسانية وهي بالتأكيد بحاجة إلى النظر فيها، وبالتالي حلها أو السعي في هذا السبيل. 

وبقدر تلك المشكلات وأهميتها يكون الاهتمام فيها، كما أن من سمات هذه الفلسفة أنها تأبى تلقي أية موضوعة أو فكرة أو النشاط معها مالم تكن مستندة على دليل يدعمها ويقوي احتمالية الاخذ والعمل فيها، لأن التفكير الفلسفي بشكل عام هو برهاني مالم تستحضر كل فكرة دليلها في السياق الذي تأتي فيها فهي لا يعول عليها. 

ولكن هناك سمة أخرى رئيسة للفلسفة بشكل عام والمعاصرة بشكل خاص، وهي أنها تعني بوجه من الوجوه التي تتناولها أنها (عبارة عن التفكير في المجال العام). 

وما نعنينه بالمجال العام هو الفضاء أو الحيز الذي تجتمع به طبقات وفئات من الناس لمناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك وبخاصة السياسية منها على أمل أن يكون لها تأثير في السلطة مما يعود على المواطنين بالمنفعة.

ونوعية الموضوعات المفكر بها في هذا المجال كثيرة وتكاد تشمل مناحي الحياة برمتها، عدا ماهو داخل ضمن إطار المجال الخاص الشخصي أو النوعي للإنسان "الفرد" وإلا فمسائل المجال "العام" فهو يتضمن مسائل دستورية وقانونية ومتضمن لنقاش وبحث قضايا الديمقراطية وامكانية حضور الديني في الشأن العام الاجتماعي أو السياسي ومدى تأثير ذلك على الدولة من جهة، وعلى المواطنين من جهة أخرى. 

والفلسفة بهذا الايضاح معنية بالأمر أولا. إنها بحث عقلي عام تتعرض للاشياء دونما سابق انذار، فهي تقتحم الاسوار وتتخطى المطبات دونما استئذان، كما أنها بشكل خاص معنية بالمجال العام كونها فلسفة معاصرة تقع قضايا المجال العام، وهو كذلك موضوعاً لمباضع جراحتها. 

فمن هذه الناحية فأن الفلسفة التي تتناول مفاهيم من قبيل الاعتراف "بوصفه مركزياً في الوضعية السياسية" وامكانية تطبيقه، ومفهوم الجماعاتية المجايل، بل المتاخم له. كما أن القيم التي تتناولها الفلسفة تشكل موضوعات هذا المجال المهم من قبيل الموضوعات والاشكالات الاخلاقية، بوصفها اخلاقاً تخضع لحدود سلطان العقل وهيمنته. إن المجال العام أحد أهم سمات التاريخ المعاصر الذي بدأ مع الدولة الدستورية الراعية للحريات والعاملة على توفير ما يلزم من متطلبات رفاه الإنسان وتعزز ذاته كقيمة أخلاقية عليا. ويعتبر المجال العام الفضاء الاجتماعي والسياسي الضامن لتخيف سيطرة السلطة والمساعدة في قوة المواطنين، فهو مجال متى ما استطاعت الذوات فيه اعداد نفسها جيداً ورفع من مناسيب زخمها من ناحيتين نوعية الفاعلين (نخب ومفكرين واكاديميين ونقابات واتحادات وفاعلين مهمين نشيطين في المجتمع وغيرهم) مضافاً إلى ذلك كثرتهم العددية استطاع أن يقل من هيمنة السلطة على المجتمع ويتمكن من التأثير الايجابي على القرارات التشريعية والتنفيذية وفرض رؤاه وتطلعاته بما ينسجم مع معايير الدولة التي نتحدث عنها وهي دولة دستورية تعمل على وفق لوائح قانونية تستهدف الفعل السياسي المنظم وإرساء قيم الحرية والمساواة وتعزيز الديمقراطية كوعي وممارسة في الواقع. ولذا يعتبر التفكير الفلسفي في المجال العام تفكير في ما ينبغي أن يعمل أي بحث ما يقع جواباً لسؤال "ما الواجب الذي ينبغي أن يستشري في اروقة المؤسسة والمجتمع والفئات الاجتماعية المختلفة". 

إن مسائل لها تأثيراً مباشراً في حياة الناس القضايا السياسية والاجتماعية والمشكلات المختلفة كلها لها ذلك التأثير ولها نتائج مختلفة على المجتمع والإنسان وهي ما يشكل موضوعات هذا المجال والفضاء العمومي. وواجب الفلسفة أن تتعرض اليها بحثاً ونقداً وتفسيراً للتوصل إلى بلورة افكار أما تسهم بتطوير هذا المجال وتوسعة اهتماماته، وأما أن تجد حلولا للمشكلات التي تعترض هذا الواقع، وأيضاً أن هذا المجال. في المقابل سيشكل تجربة جديدة تفيد الفلسفة وتمدها بما يطورها وتتناول اسهاماته كخبرات وتاريخ تفيد فيه على مستوى معرفة الاخطاء وتجنبها أو الاعتبار منها، وبالتالي فأن مشغل الفلسفة هو النظر بالمشكلات الراهنة ومحاولات حلها .