فليحة حسن
تعد قصة نبيل جميل {مطبات ليلية} التي كانت من ضمن مجموعته القصصية {نجلاء وقصص أخرى} الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة، مثالا على الأدب الذي يستكشف الحدود بين الواقع والخيال، ويتناول موضوعات الفقد والعزلة بطريقة تثير التأمل والتفكير، أما الرسالة التي تحملها القصة فتتمحور حول التأمل في العلاقة بين الخالق والمخلوق، وتستكشف تلك القصة موضوعات مثل الوحدة، الفقد، والتأثير الذي يمكن أن تتركه الأعمال الأدبية على حياة الناس، كما يتناول النص الصراع الداخلي للكاتب والعواقب النفسية للإبداع، ويطرح أسئلة حول المسؤولية الأخلاقية للكاتب تجاه شخصياته وقرائه، كما تدعو القارئ للتفكير في كيفية تأثير القصص على الواقع، وكيف يمكن للخيال أن ينعكس في حياتنا اليومية، كما إن هذه القصة تقدم مشهدا غنيا بالتفاصيل والعناصر السردية التي تستحق التحليل، ومنها: السرد العليم، فالراوي هنا يتميز بمعرفة شاملة بأفكار ومشاعر الشخصيات، مما يسمح له بالغوص في أعماق ذهن الزوج وتقديم رؤية داخلية للقارئ.
والتصوير الجوي: تُظهر القصة جواً من الغموض والتوتر من خلال وصف الدمى المتحركة والأحداث الليلية، مما يخلق شعورًا بالقلق والترقب.
التجسيد: تُعطى الدمى صفات بشرية، حيث تتحرك وتتكلم، مما يعكس رغبة الزوجة في الأمومة ويبرز العلاقة بين الخالق "الزوج الكاتب" ومخلوقاته "الشخصيات".
الصراع الداخلي: يعاني الزوج من صراع داخلي بين الرضا عن إنجازاته الأدبية، والحزن على فقدان الشخصيات التي خلقها، مما يعكس التعقيد النفسي للكاتب.
الموتيف: تتكرر فكرة الفقد والضياع، سواء في حلم الزوج أو في تعلق الزوجة بالدمى، مما يشير إلى موضوع مركزي حول الخسارة والرغبة في الاحتفاظ بالذكريات والعلاقات.
التحول الفانتازي: تأخذ القصة منعطفًا فانتازيًا عندما تبدأ الدمى في التحرك والتحدث، مما يدفع القارئ للتساؤل عن حدود الواقع والخيال.
النقد الذاتي: يُظهر الزوج نقدًا ذاتيًا عندما يتحدث عن تأثير كتاباته على الآخرين، خاصة في الحلم الذي يتذكر فيه الطالبة التي أصبحت ضحية بسبب قصته.
العزلة: يُظهر الزوج والزوجة عزلة عاطفية وجسدية، حيث ينام كلاً منهما في غرفة منفصلة، ويتعاملان مع الوحدة بطرق مختلفة.
المفارقة: تكمن المفارقة في أن الزوج، الذي يخلق عوالم وشخصيات في قصصه، يعيش في واقع يفتقر إلى الحيوية والتواصل الحقيقي.
أما إذا أردنا تحليل قصة "مطبات ليلية" تحليلاً بنيويًا، فيمكننا النظر إلى العناصر الأساسية للبنية السردية وكيف تتفاعل هذه العناصر لإنتاج المعنى، فنجد الشخصيات المتمثلة بالزوج/ الكاتب الذي يعاني من الكدر بعد الانتهاء من كتابة قصصه، والزوجة التي تبدو متقبلة لعزلة زوجها، ومهووسة بجمع الدمى.
أما الإعداد في القصة فإننا نرى أن الحدث يقع في منزل صغير يتكون من غرفتين، مما يخلق شعورًا بالقرب والاختناق، معاً ويعكس الحالة النفسية للشخصيات.
وتتطور الحبكة من خلال تصاعد الأحداث، حيث يتم تقديم الدمى كعنصر خارق للطبيعة، كما يعكس الصراع الداخلي للزوج، ورغبته في الهروب من واقعه.
أما السرد هنا فيتم من منظور الراوي العليم الذي يتوغل في أعماق الشخصيات ويكشف عن أفكارهم ومشاعرهم، وترمز الدمى إلى الأطفال الذين لم ينجبهم الزوجان، وكذلك إلى الشخصيات التي خلقها الزوج في قصصه، والتي تطالب بالاهتمام والحياة.
اما الموضوعات التي تمت الإشارة إليها في قصة نبيل جميل مطبات ليلية، فتشمل الوحدة، الفقد، الإبداع وعواقبه، والعلاقة بين الخيال والواقع، أما ترك نهاية القصة مفتوحة فهي دعوة للقارئ للتفكير في مصير الشخصيات، والتأثير الذي قد تتركه القصص على القراء.
ومن خلال هذا التحليل، نرى كيف تشابكتْ العناصر البنيوية لتقدم لنا قصة معقدة تستكشف العديد من الأبعاد الإنسانية، أما إذا قمنا بتحليل هذه القصة تحليلاً سيميائيا موجزا، فإننا سنرى إن لكلّ رمز من رموز القصة يمكن أن يحمل معاني متعددة تبعًا لتفسير القارئ، والسياق الذي يظهر فيه، كوّن الرموز تضفي عمقًا، وغنى على النص، وتسمح بتفسيرات متنوعة له.
فيمكننا أن نقول في عنصري الزمان والمكان إن الساعة تقترب من منتصف الليل، وغالبًا ما ترتبط الظلمة بالخوف والغموض واللاوعي، وكذلك يمكن لهذا الوقت أن يرتبط بوقوع الأحداث الخارقة للطبيعة، والمنزل الصغير يوحي بالقرب والحميمية، لكن أيضًا بالاختناق والقيود.
أما فيما يتعلق بالشخصيات فالزوج يُظهر تعبه وإرهاقه من خلال قسمات وجهه وتجاعيد حياته، مما يشير إلى الثقل النفسي الذي يحمله، وشخير الزوجة الذي يعكس عمق نومها، وربما يشير إلى الإهمال أو عدم الوعي بما يحدث حولها، وتتحول الدمى لتكون أكثر من مجرد ألعاب، فهي تحمل أصواتًا ومطالب، وتشير إلى الرغبة في الإنجاب والخلود.
أما الأريكة فقد ترمز إلى الراحة والأمان، ولكن في سياق هذه القصة قد تشير أيضًا إلى العزلة والانفصال عن الواقع، وفيما يتعلق بالكتب والأوراق التي تمثل بشكل عام الإبداع والمعرفة، لكن الفوضى التي تحدثها الدمى فيها قد تشير إلى الفوضى الداخلية أو الصراعات الفكرية، وترمز الحركة والحفيف إلى التغيير أو الاضطراب القادم، وهي تكسر الرتابة وتجلب الإثارة أو القلق، اما الدمية على شكل قطة فقد ترمز إلى الرغبة في الراحة والحنان، أو ربما تمثل البراءة والطفولة التي تفتقدها الزوجة.
أما السارد العليم فيمنح نظرة ثاقبة للأحداث والشخصيات، مما يسمح للقارئ بالغوص في أعماق القصة، بينما يبقى الخط الفاصل بين الواقع والخيال مُبهمًا، حيث تتداخل الأحلام والخيالات مع الواقع، مما يعكس الصراع الداخلي للزوج، وربما الخوف من الفشل أو النسيان.
بينما تقف العلاقة بين الزوج والزوجة موقفاً متوتراً، وتظهر مليئة بسوء التفاهم، حيث يبدو أن كلًا منهما يعيش في عالمه الخاص. بينما تظهر الرمزية الدينية والأخلاقية في هذه القصة على شكل إشارات إلى الخطايا والثأر، والعقاب، توحي بوجود صراع أخلاقي وديني يتعلق بالمسؤولية والتكفير.
وتأتي نهاية القصة المفتوحة لتوحي بالإحساس بالضياع والفقد، وتترك القارئ مع تساؤلات حول مصير الشخصيات ومعنى وجودها.