علي العقباني
شارك الفيلم السوري "رحلة يوسف" للمخرج جود سعيد (مواليد دمشق 1980، يحمل ماستر في الإخراج السينمائي من لويس لوميير في ليون - فرنسا 2007) والذي أنتج قبل أعوام ومخاض طويل من العمل والجهد والانتظار والحب.
وعُرض في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وحصل على العديد من الجوائز الهامة، وعرض جماهيريا في دمشق، مؤخرا.
فبعد فيلم "صديقي الأخير" عام 2012، وفيلم "بانتظار الخريف" عام 2015، وفيلم "رجل وثلاثة أيام" 2017، وفيلم "مطر حمص" و"مسافرو الحرب" و"درب السما" عام 2019
يأتي فيلم "رحلة يوسف" الذي كتبه جود بعنوان فرعي "المنسيون"، وهو من تمثيل من وسام كنعان وأيمن زيدان، و تدور أحداثه حول عائلة يوسف "أيمن زيدان" في حضور لافت وغني، الرجل الذي قرر البقاء في قريته التي سيطر عليها المسلحون وتتعرض للقصف من قوات النظام، مع قريبه وحفيده وجارته وابنة اختها، ففي الوقت الذي خرج فيه الكثير من السوريين إلى بلاد اللجوء القريبة والبعيدة خوفًا من ويلات الحرب، فإن هذا الرجل ومن معه خرجوا خوفاً على الحب، فهذا الرجل العبثي الصادق وقريبه لا يتوانيان عن المساعدة، وحين يقرر أمير الجماعة في تلك القرية الزواج من هاجر حبيبة زياد حفيده، لا يكون من مفر سوى الهرب، الخروج من هذا الجحيم، لكن إلى أين، إلى جحيم آخر، مخيم اللاجئين في لبنان القريب من الحدود السورية، بعد أن يكون قد دفن صديق عمره (دكتور سامر عمران) في الطريق، وفي المخيم كان على يوسف اصطناع قصة الزواج ليكونوا عائلة ومعاً، والمخيم هنا عالم من السطوة والسلطة والذل والعصابات، كذلك هو عالم من الطيبة والحب والتعاون، فيبني يوسف بيته وعالمه ويعمل في البناء وتعمل زوجته(ربى الحلبي) في الزراعة ويعمل الأولاد في القمامة، لكن الحياة لا تسير كما نشتهي في سهولة وفرح، فهنا يفتج جود سعيد في "المنسيون" الجرح السوري على مصراعيه ويغوص في النفس البشرية في أشد حالات بشاعتها وقسوتها وفي أكثر حالاتها حباً وعطاءً وتجلياً حسيا ووجوديا بالناس والأشياء والأحلام، وكيف يتحول المجني عليه إلى سلطة، ويمارس على الجموع سطوته، هكذا يفعل المظلومون غالباً.
ومع اقتراب حلم السفر للحفيد الذي تكتشف مواهبه في لعب كرة القدم مخرجة كانت تصنع فيلماً وثائقياً عن المخيم وتقيم صفقة مع أحد الأندية الأوروبية لشرائه، وتخطط العائلة للسفر بعد أن يُرزق يوسف بطفل، لكن حضور أبو الوليد وجماعته إلى المخيم بحثاً عن هاجر يأخذ القصة إلى فاجعة جديدة، فمن جديد لا بد من الهرب، وفي رحلة الهروب الجديدة يُقتل العاشقان، ويعود الجد إلى المخيم لينتقم من القتلة، وفي مشهد خروج جديد يبدأ يوسف رحلة جديدة مع زوجته بعد أن دفن العاشقان، إلى أين هذه المرة يا يوسف.
يُقسم جود سعيد فيلمه إلى أربعة فصول ويعنون كل فصل بعنوان فرعي:
"الشتاء.
إلى أين تذهب يا جدي" "الربيع ... سأبقى أحب من أجل عبد الهادي "الصيف.
أي حلم سأطير معه"
"الخريف.
إلى أين ستذهب يا ولدي"
وإذ يذهب جود إلى نهاية كارثية مؤلمة فإنه يعيد الصدمة والوجع إلى بداياته، في رحلة تكاد لا تنتهي، سلسلة من الأوجاع والنُدب التي تنغرس في القلب وتترك أثارها على تجاعيد الروح والوجه والقلب، بعد أن تكون قد
استوطنت.
منذ المشهد الافتتاحي، لقطة عامة لبياض ثلجي مدهش، نقترب لنرى عربة بحصان يقودها يوسف، ولنكتشف أن عليها جثتي هاربين، يُنوع جود في كادراته ولقطاته ويخفف من سخريته المعهودة في بعض شخصياته لصالح ألم داخلي يعبر عنه بعثية حياتية وسخرية مبطنة من واقع قاس ومواقف تعلي من شأن الحب والحياة في مواجهة طابور الموت الذي لا ينتهي.
الموسيقى والغناء والأداء التمثيلي الملفت وخصوصاً للممثلين الشباب والمونتاج المتنوع وجمالية الصورة وسط الخراب والبشاعة والعنف والقسوة على مستوى اللغة والصورة بقصد إيصال الألم والوجع إلى أعلى مستوياته الأثرية، خلقا حساً مختلفاً لعوالم الفيلم الداخلية،لقصص الحب والصداقات والتضحيات، وكذلك الخيانات والقتل والأمكنة والهجران والموت، حتى في المخيم الألوان والتشكيلات مبهرة، وفي منزل القرية يفتح العاشقان طاقة في الجدار للتواصل، في ديكور لافت في تفاصيله وأجواؤه.
كما تنفتح لهما بوابات الحياة التي يُغلقها الموت وصناعه بوحشية وقسوة، إنه صورة من صور النزوح والوجع و المآسي والكوارث الإنسانية التي خلفتها أو خلقتها الحرب السورية عبر التي تمخضت عنها الحرب في سوريا، انهم "المنسيون" من الحياة الكريمة والاستقرار في هذا الجحيم الذي يبدو أنه لا نهاية له.
فيلم "رحلة يوسف" من تمثيل أيمن زيدان، سامر عمران، ربى الحلبي، سيرينا محمد، وائل زيدان، نور الصباح، حيان بدور، أحمد درويش، جواد السعيد، سيناريو جود سعيد ووسام كنعان، مدير التصوير وائل عز الدين، موسيقى سمير كويفاتي، مونتاج رؤوف ظاظا، انتاج المؤسسة العامة للسينما بأشراف مراد شاهين، ومن إخراج جود سعيد.