قصائد من حياتنا الخفيّة

ثقافة 2024/04/16
...

  ترجمة : أحمد كاظم سعدون




 برونون والاس

حادثة البطيخ 

كان ذلك خلال هذا الصيف

في مقعد خلفيّ لسيارة مُسرعة،

إذ شارفتُ على بَترِ إصبعي،

وأنا اُقَطِّعُ بطيخةٍ بمِدية.

كنّا حينها نضحك،

فإذا بالمدية تنغرز حتى العظم

ساحبة الدم،على غفلة

الدم الذي بدأ ينزفُ مُتَدفِّقاً على يدي، فالبطيخة، ثم على يدي 

الثانية، فرُكبَتَيّ، مُلَطِّخاً مُربعات بنطلوني المشدود

الذي وصفته أُمي - على أية حال -  بالضيِّق، ممَّا جعلني 

أبدو تافهة، كصِبغة الشَعر 

البيضاء التي وضعناها 

أنا ولورين على شَعرنا

حينما كانت تعتني بأطفال آل نيلسون؛

بعدها تدفق الدم على مقعد السيّارة الرمادي الفاخر

فجورابيّ القصيرين، ونَعليّ، مُلطِّخاً الأرضيّة، حتى صاحت لورين: 

يايسّوع ربّ السماوات!

وانحرفت بالسيّارة جانباً لتتوقف

ثمَّ نزلنا ورأينا 

على بعد ميلين، المدينة تكتظُّ بالمُستشفيات، بالأطباء، والمُطَهّرات والخيوط، بإبر الكزاز والعائلات،

لكننا كنا بعيدتين عن ذلك كلّه. 

على قيد الحياة أقصد ذلك تماماً، لأن 

النزيف كان قد توقَّف،

وأن طَرَف إصبعي قد تَدَلَّت 

مربوطة بسلك. 

أن لورين استخدمت الضِمادات التي ملأت حقيبتها بها

تجنباً لأيّة قروح قد يُسببّبها حذاءها الجديد ممّا أوقف النزف

أن أُمي كانت تطبخ العشاء

حين وصلتُ إلى البيت

وأخي لكزني في ضِلعي

ماضِغاً بفم مملوء، ولم يسألني أحد؛

أن ذلك حدث بعد غروب الشمس

وبتلك الطريقة المُموهة التي 

تسفعنا بها الشمس 

(طفا الألم) .                                                                                                                                                في مَنامي كان ليَديْ حجم قُفّاز مُلاكَمة                                                                                         

كأنّ كلّ ما بقي فيّ من دمٍ اِندفع إلى هناك حيث الضِمادات المربوطة،

أسندتُها مرفوعة على أيّما شيء مريح وجدته، مُلاءَة كانت أو وسادة، فَسَمِعتُ النبض :

دووم - دووم ، دووم – دووم

دووم – دووم ، دووم – دووم ،

حتى أيقَنتُ أنني مُوقظة أهلي

النائمين في الغرفة المُجاورة لا محالة.

أنّي من أولئك الذين يؤمنون

باستعادة كلّ شيء، حتى لولم نكن ندركه؛ عَبر الذاكرة.

في الحقيقة، أنّي كنت قد قرأت، قبل أيام أنه برغم نسياننا ما كنّا قد مررنا به أثناء سُكرنا،

فسوف نستعيده، في وقت ما، حين نسكر ثانيةً مما جعلني أُفكّر بذاكَ الذي أقام في شقّة تُجاورُ شقّتي

حيث سكنتُ قبل أن ألِدَ اِبني،

في واحدة من تلك البنايات التي من كثرة ما جرى في غُرفها من أحداث؛

تَرَقَّقَت جُدرانها؛ كتلك التي على قميص رثٍّ حُكَّت بُقَعه المُزَيَّتة المعروقة

حتىَ أن بان لمعان جِلدَ لابسه،

إذ في كلّ ليلة جُمعَة، يسكرُ هذا الشخص، حتى يكون باستطاعتي 

أن أسمعَ صوت القناني

فارغة تتدحرج على سطح الطاولة وعند القنينة العاشرة أو الثانية عشرة، 

يبدأ نَحيبه بسبب أُمّه ؛ التي خيَّب ظنّها؛

ضارِباً الجُدران، لكم كرهته، الأبله

مُنتحباً مع بيرته من أجل ماما!

غالباً ماكنتُ أرفعُ صوت التلفاز عالياً

أو أخرجُ للمَشي، لكنه، 

في ليال لاحقة، كان قد توصّل،

من خلال ترجيعاتي، بطريقة ما؛

لَعَلّها نِثار أحلام لم يتمّ التخلي عنها تماماً، حتى إذا ما قرأت تلك الصفحات عن السُكر والذاكرة

فُتِحَ لهُ الباب وبدأ بغناء وحشيٍّ هناك،

وسط كلّ شيء عن البطيخة 

والمِدية إذ تُخطِئها،

عن الدم ووَجه لورين،

عن الألم يَنبُضُ عنيفاً صاعِداً من إصبعي فمعصمي وصَدري 

ثمّ حنجرتي حتى أسناني 

التي كَزَّت عليه،

فأهلي نائمون بعمق. 



المَرأة في هذه القصيدة

المرأة في هذه القصيدة                            

تعيش في ضاحية

مع زوجها وطفليها الإثنين

تنتظرُ رسائل البريد كلّ يوم

ومرَّة في الأسبوع تصلها رسالة من عشيقها الذي يعيش في مدينة أخرى

يكتبُ لها عن زهورٍ وضياء شمسٍ على سريره متوسِّلاً: تعالي أحتاجكِ

والمرأة تتناول الهاتف

لتتصل بالمطار

ستغادر بعد الظهر

حقيبتها جاهزة

مع قليل من الثياب

لكن المرأة في هذه القصيدة تذكرت

وهي في صَدَدِ اتصالها

قِدرِ مَرَق اللَّحم

وأنه الخميس

فَكَّرت بملامح وجه زوجها

إذ يقرأُ ملاحظتها

بجسده حزيناً مُتَكوِّراً 

جهة السرير الفارغة

توقفت عن الاتصال

وبدأت بتقطيع البصل

من أجل قِدر مَرَق اللّحم

لكنّ الهاتف خلف ظهرها يأخذ شكلاً مُلِحّاً ورقم مكتب الحَجز يتردَّد 

في رأسها.

 في غضون ساعة 

سيأتي طفلاها من المدرسة،

بعد ذلك سيعود زوجها

سيُقَبلُ عنقها من الخلف بينما هي تُمعن في تَثخين المَرَق

مُتَيَقنةً من أنها ستضحك خلال العشاء

وتثرثر إذ تمشي مع عشيقها

على شاطىء ما

أضافت البصل إلى المرق

مُستديرةً نحو الهاتف

لكنها فكّرت بدرس بيانو ابنتها

وموعد ابنها مع طبيب الأسنان

وإذ تقف هناك

وسط مطبخها النظيف

بيدين مُتدلّيتين إلى جانبها

يمكن لنا أن نتخيلها وهي تشيخ

مُتَمنّيةً حدوث شيء أيّ شيء!

أن نتخيلها وقد جُنَّت

ربما مُتَكوّرةً لأيام في خزانتها

بينما تذبلُ حولها ثيابها كجلود مُهمَلة

أو ربما سَتجوب الشوارع بسيارة زوجها ليلاً مُلتَقِطةً أولاداً مُراهقين

لتُضاجِعهم في المقعد الخلفي

يُمكِننا أن نتخيل جسدها مُلقىً

في برِكة مُوحلة قرب مكان ما على أطراف المدينة.

المرأة في هذه القصيدة تُزعجنا 

بهاتفها عديم الجدوى

ورائحة البصل نَعتني بها 

كما بمريضة مُنهَكةٍ

تستلقي على سرير في مكان ما

غير عارفة بحياتها وهي تَقْطُرُ 

قطراتٍ مَحسوبة

نريد أن نفكّر بالموت

سكتة مُفاجئة أو خلاص عَبر قَفزة من على حافة جسر

راسمةً قوساً بعزم،

 أو المسدس المُصوَّب بدِّقة

جهة الرأس اليُمنى

نريد أن نكره هذه المرأة

لكننا في الأغلب نكره أن نعرف

أننا في لحظات كهذه أيضاً

ستَنقَضُّ أصابعنا المُتَصلّبة

مُمَزِّقةً أفكارنا مِراراً

حيث نقفُ وسط يوم عادي

كالمرأة في هذه القصيدة

شاعرين بموتنا الشَخصيّ

يصعدُ فينا ببطء.


برونون والاس التي ولدت في مقاطعة كينكستون في ولاية أونتاريو الكندية عام 1945 وتوفيت فيها عام 1989 إثر إصابتها بالسرطان هي شاعرة وقاصّة وكاتبة مقالات، تهتم عبر قصائدها بتأثير كلّ من التغيّرات وعمل الذاكرة في حيواتنا الخفيّة؛ وكذلك التجارب والحوادث غير المتوقعة التي يمكن لها أن تروي قصص حياتنا بأدقٍ مما يمكن لنا فعله في الواقع.