طبيعة الشعر وارتباطه بالتجارب الإنسانيَّة

ثقافة 2024/04/16
...

 فراق خليف 


"الشعر والتجربة" لأرشيبالد ماكليش هو عمل بارز يقدم رؤى عميقة حول طبيعة الشعر وعلاقته المتكاملة بالتجربة الإنسانية. لقد كان ماكليش (1892–1982) شاعرًا وكاتبًا أمريكيًا وأمين مكتبة الكونجرس، وساهم بشكل كبير في مشهد الأدب الأمريكي عبر أشعاره ومسرحياته ومقالاته. 

"الشعر والتجربة"، المنشور كجزء من محاضرات تشارلز إليوت نورتون، يلخص فلسفة ماكليش الشعرية، المرتكزة على اعتقاده بأن الشعر هو تعبير أساسي عن التجربة الإنسانية.

 في قلب حجة ماكليش هناك الاقتناع بأن الشعر يتجاوز مجرد الزخرفة اللغوية أو الجمالية. بالنسبة لماكليش، الشعر هو عمل وجودي، ونمط من التفاعل مع العالم الذي يسعى إلى التقاط جوهر التجربة الإنسانية. ويرى أن قوة الشعر تكمن في قدرته على إثارة إحساس مشترك بالإنسانية، وإقامة الجسور بين التجارب الفردية 

والجماعية.

ينظر ماكليش إلى الشاعر ليس فقط باعتباره خالقًا للأبيات، بل رائيًا ومعبّرًا عن الحقائق. يتمثل دور الشاعر في استخلاص المشاعر والتجارب الإنسانية المعقدة التي لا توصف في كثير من الأحيان إلى لغة يتردد صداها عالميًا. وتتطلب هذه العملية، بحسب ماكليش، تعاطفًا عميقًا ووعيًا حادًا بالحالة الإنسانية.

التفاعل بين الشعر والتجربة هو حجر الزاوية الآخر في أطروحة ماكليش. ويؤكد أن الشعر يخرج من بوتقة التجربة المعاشة، ويعكس أفراح الحياة وأحزانها وانتصاراتها ومآسيها. علاوة على ذلك، يفترض ماكليش أن الشعر بدوره يشكل فهمنا وتقديرنا لتجاربنا، ويضفي عليها العمق والمعنى. 

يتميز طرح ماكليش بالوضوح والدقة والإحساس الشعري. وهو يستخدم صورًا حية واستعارات ولغة غنائية لتوضيح حججه، مما يجعل "الشعر والتجربة" ليس فقط نصًا نقديًا ولكن أيضًا شهادة على المبادئ ذاتها التي يتبناها. يجسد أسلوب كتابته التقاء الشكل الشعري والبحث الفكري، مما يجعل الأفكار المعقدة سهلة المنال وجذابة.

عند تفكيك النص ومن وجهة نظر ما بعد البنيوية نجد أنفسنا في تحد لافتراضات ماكليش حول طبيعة اللغة والمعنى في الشعر. من وجهة النظر هذه، فإن فكرة أن الشعر يمكن أن يلتقط وينقل جوهر التجربة الإنسانية هي إشكالية بسبب الاعتقاد بأن اللغة غير مستقرة بطبيعتها وأن المعاني مؤجلة بشكل دائم. 

وإذا اخذنا ما يسمى "استجواب نوايا المؤلف" من وجهة نظر حداثية غالبًا ما نشكك في التركيز على نوايا المؤلف. قد نجادل بأن معنى القصيدة ينبثق من التفاعل بين النص والقارئ، وليس جوهرًا ثابتًا يضفيه الشاعر على العمل.

نركز ومن وجهة نظر نقدية على نهج ماكليش العالمي في التجربة الإنسانية والشعر. نجادل بأنه من خلال التأكيد على حالة إنسانية عالمية، قد يقوم عن غير قصد بتهميش أو التقليل من الأصوات والتجارب الفريدة للمجموعات المهمشة. من هذا المنظور نشير إلى أن الشعر ليس كيانًا متجانسًا ولكنه نسيج متنوع من الأصوات التي تعكس تجارب ثقافية وعنصرية وجنسانية متنوعة. ولذلك، فإن اتباع نهج أكثر شمولاً من شأنه أن يعترف بتعدد التعبيرات الشعرية وأهمية الاختلافات الفردية والثقافية في تشكيل الشعر.

من منظور آخر يمكننا دراسة آراء ماكليش حول طبيعة الشعر والتعبير عنه من خلال الأشكال والأعراف التقليدية. قد نجادل بأن عمله لا يفسر بشكل كامل تطور الأشكال الشعرية والتجريب الذي نراه في الشعر الحديث وما بعد الحداثي. إن ظهور الشعر الحر، وشعر النثر، والشعر الرقمي، وغيرها من الأشكال التجريبية يتحدى المفاهيم التقليدية حول ماهية الشعر وكيف يمكن أن يتفاعل مع القارئ. تعمل هذه الأشكال المتطورة على توسيع الطرق التي يمكن للشعر من خلالها التقاط التجربة الإنسانية وعكسها، مما يشير إلى أن جوهر الشعر قد يكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف من افتراضات ماكليش.

التعامل أيضًا مع مفهوم ماكليش للشاعر باعتباره عرافًا أو كاشفًا للحقائق. يتم التدقيق في هذه النظرة الرومانسية للشاعر لاحتمال فرض رؤية نخبوية أو إقصائية حول من يمكن أن يكون شاعرًا وما هي أنواع التجارب التي تعتبر جديرة بالتعبير الشعري. نجادل من أجل رؤية أكثر ديمقراطية ويمكن الوصول إليها للشعر، وهي رؤية تمكن الأفراد من جميع مناحي الحياة من التعبير عن حقائقهم وتجاربهم دون الحاجة إلى التحقق من صحة النخبة الشعرية.

 بالإضافة إلى ذلك، وفيما يتعلق بمدى تفاعل نظريات ماكليش مع السياقات الاجتماعية والسياسية للشعر. فأن الشعر لا يوجد في الفراغ؛ فهو يتشكل ويستجيب للظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية في عصره. قد نجادل بأن الفهم الشامل للشعر والتجربة يجب أن يأخذ في الاعتبار كيفية تأثير هذه العوامل الخارجية على خلق الشعر واستقباله.

 في حين أن "الشعر والتجربة" هو عمل أساسي يقدم رؤى غنية حول طبيعة الشعر وارتباطه العميق بالتجربة الإنسانية. من خلال طرح أرشيبالد مكليش البليغ وتحليله العميق، ودعوة ماكليش إلى إعادة النظر في قيمة الشعر والغرض منه في نسيج الوجود الإنساني، فإننا ومن وجهة نظر نقدية لا بد من تسليط الضوء على أهمية النظر في المشهد الأوسع والأكثر تعقيدًا للتعبير الشعري. والتحريض على اتباع نهج أكثر دقة وشمولا لفهم الشعر، نهج يحتضن التنوع، ويعترف بتطور الأشكال الشعرية، ويعترف بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي تشكل الشعر ويشكله. ومن خلال مثل هذه المشاركة النقدية، يصبح الخطاب حول الشعر والتجربة أكثر حيوية واتساعًا، مما يعكس الطبيعة المتعددة الأوجه للتعبير الإنساني. ورغم ذلك، يظل "الشعر والتجربة" مساهمة حيوية في النقد الأدبي، وبرهان آخر يؤكد على أهمية الشعر الدائمة في التعبير عن أعماق الروح الإنسانية.