المرأة في الدراما العراقيَّة.. حضورٌ جسدي وغيابٌ فكري

ثقافة 2024/04/17
...

د. موج يوسف

إنَّ حضورَ البطل في الفن أو الدراما يعرف عبّر عدد الأفعال التي يقدمها في المشاهد، وهدفها القوة والتحديات، وبمعنى أدق: تعيش الشخصية البطلة أكبر قدر من الصراعات والتي تواجه عدداً أكبر من العقبات وهو ما يجعلها تتطور في بداية السيناريو إلى النهاية (وفق رأي فرانك هارو) لكننا أن تتبعنا أدوار البطولة التي عرضتها الدراما العراقية في شهر رمضان لاسيما في شخصية المرأة سنجد أن البطلة حاضرة فنياً وغائبة موضوعياً، فكاتب السناريو يوظفها على الورق و يسلب منها الرؤية والصوت الخاص بها واللغة.

  وقد رصدنا في أغلب المسلسلات العراقية ظهور شخصيات النساء بدور البطلة وهن بثياب الجلّاد كما أن الدراما لم تقدم المرأة بحالة البطولة الطبيعية  التي تلامس الواقع، فلم نر المرأة المثقفة أو المعلمة المتفانية في سبورة العلم وغيرها من الأدوار التي تصور المرأة وهي تمنح قوتها إلى الحياة والمجتمع. وما شوهد مؤخراً في المسلسلات التي تحاكي قضايا المجتمع العراقي في سنواته الأخيرة أنها أظهرت المرأة كالسكين التي يُذبح فيها المجتمع وهي المسؤولة عن خذلان أفراده وتفكك قيمهم كما ركزت المسلسلات على أنماط شخصية المرأة المستهلكة في الكثير من الدراما وهي ( شخصية السكرتيرة لرجل الأعمال والعشيقة والزوجة المضحية والأرملة أم الولد الواحد التي تفني حياتها لأجله والمرأة التي ينبع الشر من كف يدها) فلم يستطع الكتّاب خلق شخصية جديدة وابتكارها، أو أخذها من الواقع ونفخ فيها روح الخيال. ونجد هذا في مسلسل الانفصال الذي عُرض على قناة العراقية من تأليف ( نهار حسب الله وغيداء العلي) وإخراج جمال عبد جاسم وبطولة الفنانة إيناس طالب وكاظم القريشي. يطرح المسلسل قضايا الطلاق المتفشّي في العراق بالأعوام العشرة الأخيرة وترافقه المخدرات ، تظهر البطلة الفنانة إيناس طالب بدور خيال الباحثة الاجتماعية في إحدى المحاكم العراقية وهي ذات الترف والثراء الباذخ؛ لأنَّ زوجها هيثم (الفنان كاظم القريشي) رجل أعمال مهم، لكنَّ دورها البطولي اقتصر على تأدية المشهد من دون أن تكون هي محركه الأساس أو تقود الصراعات التي تدفع الحدث نحو الحكبة، لأنَّ المسلسل اعتمد على الحبكات الثانوية التي تولد وتموت بالحلقة نفسها، والصراع كذلك ممّا تسبب بإرهاق المشاهد، والحبكات الثانوية هي نتاج قصص ثانوية زجّها كاتبا السينايو في العمل الدرامي لتكون بمثابة الحشو الذي يدفع الأحداث نحو العقدة والنهاية، وهذه القصص الثانوية تصدّرت الحلقات إلى منتصف المسلسل لتتوقف عند نشوب الصراع بين الأبطال( خيال وهيثم) ومن ثم تلاشت القصص المقحمة التي لو قمنا بحذفها فإنها لن تضر بإيقاع السرد الدرامي. وهذه القصص التي نشاهدها منذ افتتاح الحلقة الأولى تركز على الخيانات الزوجية، فالحلقة الأولى تظهر الزوجة بعلاقة غير مشروعة مع رجل فيكتشف زوجها الخيانة ويضربها ويطلقها بصمت ويرمي عليها وشاح الستر، وحاولت الباحثة الاجتماعية ردم هوة الطلاق بقولها ( المرأة مخلوق عاطفي وضعيف وهواية ولد الحرام يلعبون على مشاعرها) صيغة هذا الحوار تؤكد على الأنساق الذكورية التي مازالت تسلب العقل من المرأة وتضعها في طبقة أدنى من الرجل كما فعل أفلاطون عندما وضعها في طبقة العبيد والأطفال. في الحلقات المتتالية نرى الثيمة ذاتها تتكرر في الطلاق التي تؤكد على جريمة المرأة وظهورها بصفة الجلاد كالزوجة التي طلبت الطلاق من زوجها بكل وقاحة لأنها لا تريد أن ترعى أمه المريضة وهو يقف كالملاك متوسلاً بها، فهل شخصية الرجل العراقي بالواقع هكذا غير منفعلة؟ ثم يعود إلى الزوجة الخائنة التي تستغل سفر زوجها لأجل العمل وتفتح أبواب عشّها إلى عشيقها وتهيئ له أجواء الطرب والغناء التي تزعج سكان العمارة فيشكون للزوج الغائب الذي يكتشف الخيانة عبر كاميرا المراقبة التي وضعها في البيت فيطلقها بصمت وتستر، وكذلك نجد الزوجة التي شُوّه جسدها بحريق ما، وتطلب الطلاق والزوج يظهر بدورٍ ملائكي وبحوار ممتلئ بغنج الحب ويرفض لكنها تصرّ على هدم كيان الأسرة، وحتى حالة الطلاق الواحدة التي يدان فيها الرجل نجد أن الكاتب يبرر انفصاله لأنه صار يبحث عن وجوده مع حبيته ويرى زوجته  (مطبخاً وبيتاً وأولاداً) ولم يخن زوجته مع حبيبته. إن هذه القصص وظفت برؤية سطحية وفكرة أحادية تدين المرأة و تلصق الخيانة بها مع أنني أرى أن الخيانةَ سلوكٌ مبتذلٌ، لكنَّه غير خاص بالنساء وإنما يشترك الرجل به أيضاً، و قام الكاتب بتغييبه عن الفضاء الدرامي وأحكم طوق الخيانة بالمرأة فقط، ومن الناحية الفنية: إن الحلقات التي ظهرت فيها مشاهد الخيانة والانفصال في بداية المسلسل مُقحمة في العمل الفني لأنها غير مترابطة مع المحرك السردي للسيناريو وخلت من العقبات  (من دون العقبات لا يوجد صراع ولا تقدم في القصة ولا يعيش البطل تلقبات في مسيرته نحو هدفه ولا يتعرض عالمه لخطر). فالانفصال الحقيقي للمسلسل يبدأ فنياً من البطلة خيال التي تعاني من انفصال روحي مع زوجها ، والصراع الحقيقي يبدأ من منتصف الحلقة إلى نهايتها الحلقة 20 ، عند لحظة الانتقام منه وتسدد له ديون كرامتها التي جرح كيانها   عندما خانها مع عشيقاته السكرتيرات ذوات النمط المكرر في كل دراما عربية وعالمية ونجد تبريرات لخيانته.
 و تقوم البطلة بتحويل أمواله وشركاته باسم صديقتها (الخبّازة أم أحمد) باتفاق مع صديقها المحامي فيكتشف زوجها اللعبة ويقوم بخطف خيال وتتخلص منه ويعرض إلى المحكمة وقبل نطق الحكم تطلب الطلاق منه مع سرد كلام وعظي لاعلاقة للفن به. ولم أنس رصد أحد العيوب الإخراجية هي تدوير الممثل الثانوي، ففي الحلقة الخامسة جاءت الممثلة الأرملة زوجة أحد أفراد الجماعات المسلحة إلى الباحثة الاجتماعية ومن ثم اختفت؛ لتظهر في الحلقة الحادية عشرة نفسها لكن بدور( شمس) التي تريد الطلاق من زوجها لأن أخاه قام باغتصابها، الممثلة ذاتها قامت بدورين مختلفين.
 إن الدراما التي تشكلت بهكذا صورة وفكرة سطحية تهين وعي المشاهدين وذائقتم وأفكارهم، وتراهن على بقاء الدراما العراقية في الصفوف الأخيرة.