سامر المشعل
من دون مقدمات رحل كوكب حمزة، وكأنها مزحة قدرية، مزحة ثقيلة الوقع على من عرف هذا الفنان واقترب منه، فهو فنان استثنائي ولا أبالغ إذا قلت إنه يمثل النقاء الوطني بكل ما تعني الكلمة، لم يلوث حتى بلغ الثمانين، فنان ملتزم امتزجت ألحانه ومواقفه بحب العراق، من دون أن يساوم أو يهادن أو تغريه مغريات الحياة، هو صوت الاغتراب الانساني في دواخلنا، يشدو عندما ترتفع حمى الشوق للوطن وعيون الاحبة بصوت مجروح، الوطن الذي يريد ويحلم أن يكون.
عاش الاغتراب في الوطن، فخرج من ربقة نظام حزب البعث باحثا عن الحرية بالعام 1974، وهو في قمة عطائه ونضجه الفني، فوجد نفسه في اغتراب أشد حلكة.. فتذوق كل ألوان الغربة.
أغانيه تشبه روحه المترعة بحب الوطن والناس والحياة.. وعلى الرغم من انه لم يقدم كما كبيرا من الأغاني، لأنه اضطر مرغما أن يترك العراق بوقت مبكر، الا أن نوعية ما قدمها تشكل أهمية كبيرة في خارطة الغناء العراقي، فهو من قادة الحداثة في الاغنية السبعينية، يبدع في تقديم الصياغات اللحنية، ويحفز الاخرين على الابداع، وعندما سألت الملحن المبدع الراحل طالب القره غولي من يستفزك من الملحنين ؟ قال لي " كوكب حمزة يستنفزني ويحرضني على الإبداع".
وتكمن أهمية كوكب كونه استلهم التراث وصاغ منه قلائد ابداعية بتوظيف موسيقي تجديدي، نابعة من الروح العراقية باسلوب حداثوي تفاعل معها المستمع العراقي بالتذاذ عالٍ وهذا ما نجده في أغنية " يانجمة " التي قدمها بصوت حسين نعمة، التي استلهمها من اغنية " مرابط ". وكذلك وظف الايقاعات وضرب الصنوج المستخدمة في المواكب الحسينية باغنية " يا بنادم " ومن المفارقات الابداعية ان يهتم شيوعي يحسب على اليسار العراقي بالتراث الحسيني ويتم توظيفه بالاغنية العراقية، بروح صادقة فقد كانت الدموع تنهمر من مقلتيه وهو يلحن هذه الاغنية التي جاءت ولادتها متزامنة مع اربعينية الإمام الحسين عليه السلام، اثناء وجوده بمدينة القاسم باجواء موشحة بالحداد والحزن.
ونجد في الحان كوكب تنويع في المقامات والايقاعات وكذلك التلوين الادائي للمطرب، وهذه الانتقالات تتم بتلقائية ابداعية، وكأنك تقلب صفحات كتاب مستمتع بقراءته، ما يخلق ثراءً غناسيقيا، وهذا ما نراه في أغنية " هوى الناس "، وأغنية " الطيور الطايرة" وغيرها، مع دقة في انتقائه للنصوص الشعرية الرصينة والمكتنزة في التعبير.
برع كوكب بحكم ثقافته التشكيلية في مجال التصوير الموسيقي، أي أنه يمنح الاغنية تصويرا موسيقيا يرتسم بمخيلتنا اشبه باللوحة، كما في أغنية "حاصودة " لمائدة نزهت، وأغنية " الكنطرة " لسعدون جابر وغيرها.
زرع كوكب حمزة كانسان وفنان محبته في كل مكان فحصد حب واحترام الناس له ومن مختلف الأجيال.