د. أثير ناظم الجاسور
منذ العام 2003 ولغاية اليوم، والعراق يتأرجح بين مجموعة من المتبنيات الفكريَّة التي حددت بوصلة التوجهات الداخليَّة والخارجيَّة وفق الضرورات التي صقلت مستويات فكر الدولة وإدارتها، وهذا ما يوضح من خلال مجموعة من الدلائل التي قد تُثبت صحة الافتراضات التي يتم طرحها على مدار هذه السنوات، بالتالي فقد انتهى مخزون العراق من حيث التفاعلات السياسيَّة الدوليَّة بناءً على ما تمَّ تبنيه في سياسته الداخليَّة التي عكست مجمل عمله السياسي الخارجي المتأثر بشكلٍ أو بآخر بتلك الصيغ الفكريَّة – العقديَّة، بالمحصلة كان العراق وتحديداً بعد العام 2003 بحاجة إلى حركة سياسيَّة خارجيَّة لها القدرة على إعطاء صورة واضحة عن مستويات القدرة على تقديم صور مختلفة ومغايرة عن تلك التي تمَّ رسمها بسنوات قبل هذا العام، بعد أنْ كانت المصالح متعارضة وفق خطوط وحركة متباينة من حيث الشكل والمضمون وفق إيقاع حكومي غير متناسق محكوم بإجراءات وسلوكيات ومقيدة لا تجسد حجم بلد مثل العراق.
إنَّ انشغال العراق بالأزمات والتحركات الإقليميَّة والدوليَّة على أرضه جعلت منه ساحة منتجة لعدم الاستقرار السياسي ونقطة قلقة في المنطقة لما له من مؤثرات سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة منعت عمليَّة التقارب والتشارك والتفاعل مع الآخرين، وكان من الضروري العمل على خلق سياسة عراقيَّة خارجيَّة تُعطي انطباعاً مغايراً لكل ما هو معلومٌ ومشاهدٌ من خلال العمل ضمن مساحات واسعة تشغلها أفكار التعامل والتشارك والتعاون وتجديد العمل الدبلوماسي من حيث تبني معايير سياسيَّة جديدة ومتطورة تعكس قدرة العراق على أنْ يكون الساحة البيضاء للجميع وفتح أبواب الحوار مع الجميع وللجميع، إلى جانب نقطة مهمة هي الإيمان المطلق من قبل صانع القرار العراقي بحجم وقدرة العراق على أنْ يكون المتقدم في المحافل الدوليَّة والقادر على حل مشكلاته والوسيط على حل مشكلات المختلفين والتنافسين في المنطقة، ما يسهم في تعزيز الأمن والسلم في المنطقة على أقل تقدير، وهذا يأتي من خلال دراسة معمقة لمقومات الدولة والعمل على تفعيل جميع الوسائل الضروريَّة لتطوير العمل المؤسسي الداخلي والخارجي.
من ضرورات العمل السياسي الخارجي عمليَّة التواصل ومعرفة القدرات العالميَّة والإقليميَّة والتعامل معها على قدر المستويات المطلوبة من خلال دراسة حجم وقدرة هذه الدولة أو تلك، خصوصاً وعالم اليوم يعجُّ بالصراعات والقوى المتنافسة التي لا تنفك تحاول الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ، والعراق بديهياً يعيشُ وسط هذه الأجواء التي لا بُدَّ من أنْ تؤثر في مستويات عمله السياسي والدبلوماسي وهو أيضاً يعاني من مجموعة من التحديات التي تعرقل علميَّة الاستقرار الداخلي والخارجي (استقرار القرار السياسي)، وواحدة من هذه الضرورات أنْ يتعامل العراق مع جميع الأطراف في هذه المرحلة الحرجة من عمر النظامين الإقليمي والدولي بحذرٍ شديدٍ لما له من القدرة على العمل بتوازنٍ عالٍ، فالولايات المتحدة وبالرغم من الاعتراضات الكثيرة على تواجدها وسياساتها المتبعة إلا أنها القوة العظمى في العالم، والتعامل مع القوى الكبرى يكون ضمن إطارٍ مختلفٍ؛ لما له من مصلحة تصبُّ في أمن وسلامة العراق الضروريين في هذه المرحلة بالذات، فضلاً عن العمل على تعزيز السياسة الخارجيَّة العراقيَّة من خلال سعي صانع القرار اختراق المنظومة العالميَّة ليس من خلال فكرة الحليف والمحاور بقدر ما هي تعدُّ رصيداً لتعزيز مصلحة العراق الاستراتيجيَّة سواء في المحافل الدوليَّة أو الإقليميَّة.
إنَّ العلاقات بين الدول تتمُّ من خلال السعي إلى تعزيز التعاون بينها بمختلف الملفات التي تعمل على وضع الخطوط العريضة للاستقرار السياسي والاقتصادي تحديداً اللذين يعدان من المصادر المهمة في سير سياسة الدولة، بالتالي فمن الضروري أنْ يعملَ رئيس السلطة التنفيذيَّة في العراق رئيس الوزراء السيد السوداني على خلق حالة جديدة من العلاقة مع الولايات المتحدة بالدرجة الأساس والدول الأخرى لما له من فائدة على أمن واستقرار العراق في مختلف الجوانب والمستويات، والعمل على تطوير الاتفاقيات الأمنيَّة والاقتصاديَّة التي تصبُّ في مصلحة العراق، وأنْ يتمَّ تطوير العمل الدبلوماسي العراقي لما يجعل من أرض العراق نقطة الانطلاق للحوار والتفاهم بين الدول المتنافسة والمختلفة ومغادرة مرحلة أنْ تكون أرض العراق ساحة للصراعات وتصفية الحسابات، بالمحصلة سياسياً وأمنياً وعسكرياً العراق بحاجة لأجواء أكثر هدوءاً واستقراراً لبناء عمق استراتيجي وفق مسارات سياسة خارجيَّة أكثر استقراراً تعكس الواقع الداخلي المستقر للعراق بناءً على التصورات والمناهج التي يعكسها صانع القرار العراقي من خلال الإجراءات والممارسات الدوليَّة المتبعة والتطمينات التي تجعل من العراق الضامن للقوى الإقليميَّة والدوليَّة من خلال إقناع الولايات المتحدة والقوى الأخرى بقدرات العراق على لعب دورٍ كبيرٍ في المنطقة والعالم.