ما الجديد في البعد الاقتصادي لزيارة واشنطن؟

العراق 2024/04/18
...

د. حامد رحيم



 ترشح عن الزيارة الأخيرة للسيد رئيس مجلس الوزراء إلى الولايات المتحدة الأميركيَّة مجموعة معطيات على الصعيد الاقتصادي، تبدو مألوفة ومطروقة في الزيارات السابقة للسادة رؤساء الوزراء السابقين له، اجتماعات مع رجال أعمال لقاءات بمنظمات أميركيَّة تعنى بالشؤون الاقتصاديَّة، وعودٌ بتقديم منح منها ما ستقدمه الشركة الأميركيَّة لتمويل التنمية الدوليَّة قرضاً بقيمة (50) مليون دولار، عبر وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدوليَّة، لبنك العراق الوطني لتوسعة قروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، اجتماعات مع رجال أعمال عراقيين بروتوكولات تخص التبادل المعرفي ونقل الخبرات وغيرها، ربما شكلت إشادة الرئيس الأميركي بسياسات رئيس الوزراء الرامية الى تحقيق الاستقلاليَّة في ملف الطاقة ومحاولاته لتحقيق الإصلاح المالي إضافة جديدة إلى حد ما.

يبدو للمراقب الاقتصادي لحدث الزيارة أنَّ بوصلة الاهتمام الأميركي ذاهبة باتجاه محورين، هما قطاع الطاقة في العراق والتأكيد على استقلاليته خصوصاً بالحث والدعم نحو استثمار الغاز الطبيعي والتأكيد على حقول إقليم كردستان الغازية، مع مباركة لجهود الربط الكهربائي مع دول الجوار (الخليج والأردن )، اما المحور الثاني فيتمثل بالقطاع المالي والمصرفي، وما يتضمنه هذا القطاع من مشكلات وتداخلات فكان الخطاب الأميركي باتجاه الإشادة بما أقدمت عليه الحكومة من إجراءات خلال المدة الماضية لمحاولة إعادة توصيف هذا القطاع على مستوى السياسات المالية المتبعة فيه، ومحاولات اتمتة العمل المالي وحوكمته، إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسات المالية بالشكل، الذي يساعدها على مواكبة التطور في العمل المالي، وكل ذلك تتصدره الدعوة لمكافحة الفساد في هذين القطاعين كشرط ضروري لإحراز أي تقدم.

على ضوء هذه المعطيات، يبدو واضحا للمحلل الاقتصادي اثر العوامل السياسية وطبيعة الصراع في المنطقة بين الأقطاب على تحديد بوصلة الاهتمام الأميركي في الملف الاقتصادي العراقي، فهناك تصريحات وتقارير طوال السنوات الماضية، تشير بشكل مباشر إلى ان الفاسد والخلل في العمل المالي للاقتصاد العراقي تمخض عنه مردود كبير نسبيا للدول المعاقبة من قبل الولايات المتحدة الأميركيَّة ناهيك عن حجم التجارة معها بالخصوص ايران، اضافة إلى ملف الطاقة واستيراد الغاز منها والذي شهدنا مؤخرا توقيع وزارة الكهرباء عقد لتوريد الغاز من ايران لمدة خمس سنوات.

التحدي القديم الجديد الذي تواجهه الحكومة العراقيَّة تكمن بعملية الموازنة بين العلاقات الاقتصاديَّة بين ايران، باعتبارها شريكا تجاريا بالمرتبة الثالثة من ناحية الأهمية، وظلال تأثيرها على الواقع الداخلي العراقي كبيرة جدا، والكفة الأخرى المتمثلة بالجانب الأميركي الداعم الأساس للنظام السياسي في العراق، إن هذا التحدي هو العامل الأساس في أغلب المشكلات، التي يعاني منها هذا القطاعان غياب القدرة الذاتية للحكومات العراقيَّة المتعاقبة على تقديم مشروع ذاتي يطرح بقوة على طرفي الصراع (ايران والولايات المتحدة الأميركيَّة)، ليمثل اجندة وطنية خاصة.

إن نجاح الحكومة الحالية في معالجة الملفات المهمة، وعلى رأسها قطاع الطاقة والقطاع المالي يكمن في استغلال كل اشكال الدعم المفترض تقديمها من أي طرف، مثل إجراءات اتمتة العمليات المالية والتواصل مع المصارف العالمية وحوكمة إجراءات النافذة وغيرها، وأن يكون هناك موقف واضح تجاه لوبيات الفساد، وتقديم صورة إلى الجانب الأميركي بأهمية العلاقة مع الجارة إيران، على أن تجير كل تلك العلاقات لمركزية القضية الاقتصاديَّة العراقيَّة، بمعنى أن تصل رسالة إلى الإيرانيين بأولويَّة القضية الاقتصاديَّة العراقيَّة.

إنَّ القضية شاقةٌ وفق طبيعة الهشاشة، التي تمر بها الدولة العراقيَّة لكنها شروطٌ لا بُدَّ منها لضمان أنْ تقود هذه الزيارة إلى نتائج مختلفة وألّا تمرَ مرور الكرام كسالفاتها.